لماذا «الحرب الباردة» أفضل أفلام أوروبا؟

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 11:25 م بتوقيت القاهرة

لماذا فاز فيلم «الحرب الباردة» للمخرج البولندى بافل باوليكوفسكى بجائزة أفضل فيلم اوروبى لهذا العام؟
الاجابة باختصار لأنه ينتصر للسينما الجميلة بكل مفرداتها وصورها، ولمشاعر انسانية كادت ان تموت وسط ألاعيب السياسة وازمات اجتماعية بمقدرات بشر، لكنها فى هذا العمل قاومت كل محاولات العبث بها ليفجر العمل بداخل المشاهد روحا لا تعرف الاستسلام دفاعا عن حياة قوامها الحب، حتى لو وقفت عند حب الذات.
الفيلم الذى فاز أيضا بجائزة افضل مخرج فى القارة العجوز، ومن قبل بجائزة أفضل مخرج بمهرجان كان السينمائى الـ71، يعد بمثابة استكشاف سينمائى جديد للحقبة السوفيتية فى بولندا وما صاحبها من حالات قلق كبيرة، سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى.
الفيلم الجديد الذى طال انتظاره من مخرجه الحاصل على جائزتى أوسكار وبافتا افضل فيلم أجنبى وافضل فيلم اوروبى عن عمله «إيدا» يقدم هذه المرة رؤية سينمائية مثيرة للغاية وعميقة المشاعر والأحاسيس بقصته التى تلهمنا دروسا فى الحب والحرب والغضب من تلك الفترة التى امتدت لعقد من الزمن وبالتحديد من أواخر أربعينيات القرن العشرين إلى أوائل الستينيات «١٩٦٤»، وهى الفترة التى شهدت حربا باردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة.
أجواء الفيلم تدور بين بولندا وفرنسا وبريطانيا، وهى نفسها الجهات المنتجة، حيث نجد انفسنا امام قصة حب تولد على أجواء الموسيقى التى تشكل عنصرا اساسيا فى التنقل السردى والحبكة الدرامية، فالحب يولد من اللحظة الأولى بين «ويكتور» قائد الفرقة وعازف البيانو الماهر والذى جسده «توماز كوت» وبين «زولا» امرأة تتقدم لاختبارات الغناء والرقص وقدمتها الممثلة «جوانا كولينج» الإعجاب اولا كان بصوتها الذى وصفه امام اللجنة بـ«الأصيل »، وعلى الرغم من أن الشخصين ينتميان لخلفيات فكرية وثقافية شديدة الاختلاف إلا أن العواطف كانت المحرك الأساسى للأمل.
الفيلم مثل أغنية حزينة لعاشقين لا يستطيعان البقاء على حالهما، إلى النهاية، وبالتالى لا يمكن أن يوقف أحدهما طموح الآخر فى يجرب ان يعيش بمفرده وبصورة رومانسية إلى حد ما، ولكن واقعية بشكل كبير بفضل قوة الدراما وأحداثها الطاغية المليئة بالمواقف والذكريات، وبسرد سلس وهو يتتبع العلاقة التى تطورت عاصفتها بين العازف والمغنية، وهما بولنديان يتنقلان ذهابا وإيابا عبر الستار الحديدى المفروض على البلدة ومن وارسو إلى باريس وما حولهما، وهما يسعيان لتحقيق مشروعهما الفنى بشغف، ليقدموا استعراضات قوية لموسيقى الجاز وصولا لتقديم أعمال سينمائية بدت كأنها أحادية اللون والتفاصيل بألحانها للتسق مع أجواء منتصف القرن فى زمن الشيوعية، وقد صور المخرج ملامحها الساحرة باقتدار وحافظ على وحدتها الخاصة بالتصوير البديع باللونين الأبيض والأسود الذى اختاره باوليكوفسكى لأجواء فيلمه، حيث مزج الموسيقى الشعبية البولندية بطابعها الحزين مع الموسيقى الخيالية والمتأثرة بالموسيقى الفرنسية، مع خلفيات تأثير الابطال بما حدث لمجتمعهم الخاص جراء تأثير الحرب الباردة، منذ ان دمرت الحرب الريف البولندى، وإنشاء الدولة مدرسة المطربين والراقصين والفنانين ليشكلوا فرقة تحتفى بالتراث الفنى للبلاد تتعرض لضغوط كبيرة من أسيادهم الاشتراكيين، الذين يستغلونها كأداة دعاية فى جميع أنحاء الكتلة الشرقية
يقرر ان ينشق إلى الغرب عبر نقطة التفتيش فى القطاع الفرنسى، يطلب من زولا أن تأتى معه، لكنها تتراجع فى اللحظة الأخيرة خشية أنها لن تجد شيئا اذا ذهبت وتبقى فى الشرق، ويعيش العاشقان حالة تشتت كبير، خاصة بعد ان تتلاعب بهما اجهزة المخابرات والأقدار معا.
أداء البطلين توماز كوت وجوانا كولينج كان رائعا، واستطاعا التعبير باحترافية وصدق عن حالة التشتت بين حب كبير ينمو وظروف سياسية قاسية، واستحقت كولينج جائزة افضل ممثلة اوروبية لهذا الاداء، كما أن السيناريو، «الافضل اوروبيا ايضا»، الذى شارك بافل باوليكوفسكى فى كتابته اخذنا إلى منطقة سينمائية ستكون خالدة بجمالها ورومانسيتها الخاصة وتماسك حبكتها السردية، وقال بافل باوليكوفسكى إنه استوحى «الحرب الباردة» من حياته الشخصية وقصة والديه «شخصان كل منهما أقوى من الآخر، يكرهان بعضهما، يخونان بعضهما، يتطلقان، يتركان بلادهما ثم يلتقيان من جديد ليعشا معا فى الخارج، وأنه لم يجد من حوله شخصيات بهذه الدرجة من «الطاقة الدرامية، فهما يريدان أن يعيشا معا لكن لا يقدران على ذلك». انه حقا فيلم عظيم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved