العالم كما فهمه دونالد ترامب

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 17 ديسمبر 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

مع قرب رحيل الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض بعد شهر واحد، يتردد سؤال قديم حول محركات الرئيس ترامب فى قضايا السياسة الخارجية.
وضاعف من صعوبة السؤال غياب وجود إطار أيديولوجى ينزع إليه ترامب أو يلتزم به، وكذلك الوقت الذى تبدو فيه الفوضى والجهل كأكثر ما يميز مواقف ترامب تجاه قضايا السياسة الخارجية.
بلا شك نجح ترامب فى زلزلة النظام العالمى الذى شكلته أمريكا فى العقود السبعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
حيث لم يؤمن ترامب بتعقيدات قضايا السياسة الخارجية ولا بارتباطها وتفرعاتها للقضايا الداخلية والإقليمية والتاريخية، واعتبر أن هذه حجج للتشويش على الأمريكيين البسطاء الذين يتساءلون لماذا تبدو بلادهم أقل خوفا من الأعداء وأقل احتراما من قبل الحلفاء.
وخلال خطابه الأول يوم تنصيبه رئيسا، عكس ترامب رؤية شعبوية أمريكية تلائم القرن الواحد والعشرين. وتركز رؤية ترامب على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التى وجهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين خلال العقود الأخيرة، لكنها لا ترد على سبب اتخاذ بعض السياسات التى لا يجمع بينها أى نسق أو إطار واحد.
ترجم بعض علماء السياسة مواقف ترامب كانعكاس لتبنيه مبدأ «أمريكا أولا»، من خلال رؤية تخدم مصالح بلاده دون التورط فى حروب فى الخارج، خاصة فى الشرق الأوسط.
وأظهرت السياسات الخارجية التى اتبعها ترامب التزاما جادا بشعبوية أمريكية للسياسة الخارجية لم تكترث بالتنظيم الدولى ولا بالعمل الجماعى لمواجهة التحديات المشتركة سواء ما تعلق بالتغير المناخى أو مواجهة الأوبئة والفيروسات.
***
ويعتقد روبرت بلاكويل، المسئول السابق فى عدة إدارات جمهورية، والخبير حاليا بمجلس العلاقات الخارجية، أن ترامب ورث سياسة خارجية فاشلة.
ويعتقد بلاكويل فى دراسة له نشرها مجلس العلاقات الخارجية تحت عنوان «سياسات ترامب الخارجية أفضل مما تبدو عليه»، قال فيها: إن ترامب ورث نتائج فشل إدارات سابقة فى عدة قضايا خارجية مهمة على رأسها الملف النووى لكوريا الشمالية، وحروب الشرق الأوسط التى لا تنتهى سواء فى العراق أو أفغانستان.
ويعتقد بلاكويل أن مبدأ الرئيس فى السياسة الخارجية تظهر معالمه بعد تبنى الرئيس عدة مواقف واتخاذ بعض القرارات، ومنها يخرج نسق يفيد فى توقع الخطوات والقرارات القادمة، إلا أن الوضع يختلف فى حالة الرئيس ترامب، فلا يمكن لأحد أن يتوقع القرار القادم.
ويضيف بلاكويل «الرئيس ترامب يتأرجح بين البدائل السياسية تجاه قضية ما عدة مرات فى نفس اليوم ونفس الأسبوع، ولا يمكن التعويل على وجود استراتيجية أو مبدأ للرئيس يمكن من خلاله توقع القرار القادم لترامب».
***
من الصعوبة تعليم رئيس دولة عن كل المشكلات الدولية المعاصرة التى تنخرط فيها دولته خاصة إذا كانت الدولة بحجم وبمصالح الولايات المتحدة خاصة إذا لم تكن له أى خبرات سياسية سابقة.
من سوريا للعراق مرورا بإيران وأفغانستان، ومن التهديدات الروسية إلى التحديات الصينية والتوتر فى شبه الجزيرة الكورية، وقبلها أزمات بحر الصين الجنوبى. ومن قضايا الإرهاب العالمى إلى حرية التجارة مرورا بالتغيرات المناخية ومستقبل الطاقة والتكنولوجيا، إلى مواجهات فيروس كورونا مع الصين ومع منظمة الصحة العالمية. قضايا كثيرة ومعقدة كان على الرئيس ترامب الاستعداد لمجابهتها والتعامل اليومى مع تفاصيلها وتطوراتها بعد وصوله للبيت الأبيض، وهو الذى لم يعلم عنها شيئا قبل وصوله للحكم.
ويذكر بيتر بيرجن، خبير شئون الأمن القومى فى كتاب صدر له أخيرا بعنوان «ترامب وجنرالاته: تكلفة الفوضى»، أن ستيف بانون مستشار ترامب السابق حذر مستشار الأمن القومى الجنرال إتش آر ماكماستر من التعاطى مع ترامب «كبروفيسور إذ إن ترامب لا يحب الاستراتيجيات وهو يحكم يوما بيوم»، ونصحه ألا «يلقى عليه محاضرات».
ويذكر بعض ممن شاركوا فى اجتماعات مع الرئيس ترامب حول أزمات عسكرية شديدة الخطورة، أنه وفى حالات كثيرة، لا يدرك ما تعنيه هذه الأزمات.
وعندما شارك ترامب فى اجتماع بحث تفجيرا نوويا أجرته كوريا الشمالية، وتم إبلاغه أن نتيجة أى هجوم أمريكى على أهداف داخل كوريا الشمالية سيكون ردها متمثلا فى تدمير مدينة سول، عاصمة كوريا الجنوبية، ومقتل الملايين من سكانها خلال ساعات، فهى لا تبعد إلا 50 كيلومترا من الحدود الفاصلة بين الكوريتين.
رد ترامب بالقول «عليكم بإخلاء المدينة إذن»، ولم يعرف المشاركون إذا ما كان السيد الرئيس جادا أم يقول مزحة، إذ يزيد عدد سكان المدنية عن عشرة ملايين نسمة.
***
وكقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية، يتحكم ترامب ويستطيع أن يصدر أى قرار لأسطول حاملات الطائرات الأمريكية الذى يبلغ عددها 11 حاملة طائرات منتشرة حول العالم، إضافة لتحكمه فى ترسانة الولايات المتحدة النووية.
ومن هنا وقفت مؤسسات الأمن القومى الأمريكية الأساسية مثل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية فى موقف المدافع الذى يحاول لجم الرئيس ترامب، ويتحدث الكثيرون عن وقوف الدولة العميقة الأمريكية فى وجه الرئيس ترامب، ولكن من يقف فى وجه ترامب هم مسئولو هذه المؤسسات الثلاثة بالأساس.
شخصيات مثل الجنرال إتش آر ماكمستر، مستشار الأمن القومى السابق أو جيمس ماتيس، وزير الدفاع السابق أو جينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، كلهم خرجوا من عباءة الدولة الأمريكية العميقة بصورة أو أخرى، إضافة للمئات من كبار المسئولين الآخرين ممن استعان بهم الرئيس ترامب.
ويرى البعض أن المؤسسات نجحت فى النهاية فى لجم تهور الرئيس ترامب، لكن لا يثق أغلب المعلقين فى أن ما يمثله ترامب سيختفى بمجرد خروجه من البيت الأبيض بعد شهر من الآن.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية ــ يكتب من واشنطن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved