قدم الخير

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 17 ديسمبر 2021 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

 

فى هذا الفيلم أغنية استعراضية لمجموعة بنات من هويات مختلفة يتغنون مع المطرب اللبنانى محمد سلمان، لكن هذه الأغنية الاستعراضية صارت ذات معنى سياسى فى المقام الاول مع مرور السنوات، فسبحان من غيَر أحوال المنطقة التى نعيش فيها من حال إلى حال آخر، الفيلم ليس له علاقة قط بالأغنية التى تم غناؤها فى ملهى ليلى فى حضور الأسر والباحثين عن المتعة.. أما قصة الفيلم التى كتبها أبوالسعود الإبيارى وأخرجها حلمى رفلة، لا تختلف عن بقية الأعمال التى قدمها كل منهما معا فى تلك السنوات، فالفتاة مبروكة تأتى من الريف إلى منزل عمها فى القاهرة لتعيش معه بعد وفاة والدها ولأنها الوريثة الوحيدة لمبلغ كبير من المال والاطيان فإن العم يحاول أن يستحوذ عليه، بالتخلص منها، وقتلها اكثر من مرة، وبطرق متعددة بمساعدة زوجته، خاصة أن ابنته تحب الشاب نفسه إحسان الذى تحبه مبروكة ويريد الزواج منها، وفى النهاية فإن محاولات العم تبوء بالفشل، وفى لحظة تطهر يعترف لمبروكة بما كان ينتوى أن يفعله هذا عن الفيلم لكن ماذا عن الأغنية هناك سبع بنات تفتخر كل منهن بهويتها القومية وهى تقول: أنا عراقية ثم تذكر ما تفخر به الفتاة العراقية نفسها، ويتكرر الأمر كالتالى أنا لبنانية، أنا سورية، أنا جزائرية، أنا مراكشية، وأنا سودانية.
الفتاة الأخيرة تقول بنفس التنغيم والفخر أنا إيرانية، ثم يأتى وصف لها أنها امرأة جميلة بشكل ملحوظ، الغريب فى الاستعراض أن هوية ست دول عربية فقط ممثلة بكل وضوح، بالاضافة إلى المرأة الايرانية قد حدث هذا فى فترة ما بعد المصاهرة المصرية الايرانية (لاحظ استخدام اسم ايران وليس فارس)، وذلك بعد أن تم طلاق الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق عن شاه إيران ما وتر العلاقات فى سنوات النصف الاول من الأربعينيات، لكن وجود فتاة تغنى مع المصريات والعربيات الأخريات أمر يعنى أن الشعوب قد نست مسألة الزواج والطلاق وعادت العلاقات إلى شكلها الطبيعى إلى درجة الفخر إلى جوار بقية البنات، هذه هى حالة التوافق الاقرب إلى مغازلة موجودة فى الافلام التى كان يتم انتاجها فى تلك السنوات، مثلما كانت تغنى شادية لنهر النيل ووحدته وأيضا اغنيات توحد العرب بعد تأسيس جامعة الدول العربية عدد البنات هنا محدود للغاية، والملاحظ أن الاغنية تجاهلت تماما بنات عربيات كثيرة، خاصة منطقة الخليج لاشك أن تفجر آبار النفط قد أبعدت إيران المنطقة العربية بشكل واضح حتى صارت الأمور إلى ما هو عليه الآن أقرب إلى الحروب العقائدية بين الخليج وإيران، فخلال السبعين عاما بدأت الثورات الدينية فى كشف جذور الخلاف التاريخى بين فارس والعرب.. ومن المعروف أن إيران قبل ثورتها لم تكن تفكر فى أسلمة العالم العربى مثلما فعل الوهابيون وكان ذلك بمثابة تغييرات حادة فى المقدرات الاقتصادية والفكرية فى العالم العربى، ولا يمكن أن نجد مثل هذه الظاهرة فى الفنون الحديثة، فرغم أهمية السينما الايرانية على سبيل المثال فى جميع عصورها فإنها صارت بعيدة عنا بقرارات سياسية، وبينما ما زال الناس يسمعون ذلك الاستعراض كلما أذيع فيلم قدم الخير فإن أحدا لم يلحظ كلماته لأننا لا نستمع أو نشاهد بشكل يليق بالعمل الفنى.
يحدث الآن وأنا أكتب هذا المقال أننى أستمع إلى تسجيل حى لحفل أغنية أم كلثوم «دليلى احتار»، ومذيع الحفل يؤكد أن القاعة بها نساء من كل انحاء العالم العربى، وقد أشار إلى أن البنات المحجبات فى الحفل الذى أقيم عام 1955 هن فى أغلب الظن يمنيات، دون الإشارة إلى الحجاز أو بنات الحجاز، وقد انقلبت المظاهر والموازين فى حياتنا خلال تلك العقود بكل قوة، وبمشاهدة فيلم «قدم الخير» ترتبك المفاهيم فى رءوسنا ترى لماذا تحولت بنات إيران إلى مكانة الخصومة دون ان تكون هناك مصاهرة وطلاق بين الملوك أو الرؤساء، والشعوب هى التى تدفع الثمن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved