أرقام فى المعادلة المصرية

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 18 يناير 2014 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

عندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت أرقام المعادلة المصرية تتكون من الاحتلال الإنجليزى ويتكئ على جيش الاحتلال واتفاقية قناة السويس، والرقم التالى الحكومة الوطنية وكانت تتكئ على الشعب الفقير المطحون، أما الرقم الثالث فكان الملك، وكان يتكئ على الإنجليز وشعبيته بين المصريين والتى غابت فى أيامه الأخيرة وكان الإخوان المسلمون كقوة صاعدة تتكئ على تعاطف الشعب المتدين وفساد النخبة محاولة أن تكون رقماً فى المعادلة.

وبقيام ثورة يوليو دخل الجيش فى المعادلة التى كانت متوازنه تقريبا، وقامت بالإطاحة بالملك ثم الأحزاب وأخيرا بالإخوان عام 1954، وأصبح العسكر الرقم الوحيد فى المعادلة، ولم تكن هناك معارضة سوى التيار اليسارى والذى اعتمد على المثقفين والفنانين والأدباء وقد تصدى لهم عبدالناصر، إلا أنهم كانوا متوافقين مع المشروع الناصرى، وبعد نكسة 1967 وسقوط المشروع الناصرى جاء السادات باتجاه حاد نحو اليمين الامريكى واستطاع أن يحقق النصر فى 1973، وهنا برز اليسار كمعارضة قوية للحكم خاصة عام 1977 (مظاهرات الخبز)، ولأن السادات وضع فى خطته التصالح مع إسرائيل أثناء عودته مخذولا من جولة بالخليج طلبا للمعونة بعد أزمة الخبز، لذلك كان قراره التخلص من التيار اليسارى لحساب التيار الدينى، وكان يظن أن الكنيسة سوف تؤيد زيارته لإسرائيل وعقد معاهدة سلام، وهكذا راهن على الحصان الدينى الخاسر، وعندما اكتشف ذلك متأخرا حاول عام 1981 أن يقمع الجميع وفى ذهنه ما فعله عبد الناصر، لكن الزمن كان قد تغير وارقام المعادلة اختلفت فقد توحش التيار الدينى الإسلامى وضعف التيار الذى كان يمكن أن يسانده (اليسار) وانسحبت الكنيسة من الصورة، ولم يكن الزمن زمن الرقم الواحد.

وهكذا اغتيل السادات فى 6 اكتوبر 1981 بأيدى الجماعات الإسلامية، وجاء مبارك ليستكمل المسيرة ويصبح رقم واحد فى المعادلة متكئا على الجيش، وعندما طلب منه الإفراج عن رئيس الكنيسة اشترط على ألا يعمل بالسياسة، وكان المقصود هنا هو ألا يعارض أى قرار يصدره مبارك، وقد وقّع البابا شنودة على ذلك ثمناً لحريته، وهكذا انسحبت الكنيسة من المعادلة ولم يبق سوى الإخوان الذين كانوا يتكئون على شعبيتهم الدينية وقد استخدم مبارك انتهازيتهم، فصارت مصر عبارة عن حكم مبارك ومعارضة الإخوان وهكذا صارا الرقمين البارزين على الساحة المصرية.

•••

فى ذلك الوقت أراد مبارك أن يخيف أمريكا والعالم من الإخوان بالقول (أنا أو الفوضى) وبدأ الإخوان اتصالاتهم مع أمريكا كبديل لمبارك وفى محاولة لإضعاف الإخوان شجع النظام السلفيين وهكذا أصبح الرقم الأول فى المعادلة نظام مبارك وقد شاخ والرقم الثانى الإخوان وكان السلفيون ينمون بقوة تحت الارض.

وفى عام 2005 كانت الكنيسة تموج بثورة داخلية من الحركة العلمانية، والتيار الشبابى المتصاعد الذى يريد أن يشارك فى العمل السياسى بل ظهر جيل من القساوسة يشاركون فى الإعلام كمصريين وهكذا دخل السلفيون والمسيحيون كأرقام فى المعادلة وجاءت ثورة 25 يناير، ليظهر الشعب المصرى بكل فئاته وانتماءاته الثقافية والدينية ويفرض نفسه على الساحة، وكانت القوى الوحيدة المنظمة هى الإخوان والجيش، وظهر الإخوان بعلاقتهم بالغرب، واحتوائهم للسلفيين وتقربهم للمسيحيين على أنهم القوة رقم واحد وخاصة بعد أن تورط المجلس العسكرى فى موقعة ماسبيرو ومحمد محمود، وكان التيار واضحا فى اتجاه الإخوان ولم يكن أمام المجلس العسكرى إلا أن يسلم الحكم للإخوان، وهكذا صارت المعادلة تتكون من الإخوان والجيش لكن الترتيب اختلف فأصبح التيار الإسلامى الرقم الأول والجيش الرقم الثانى ودخل شباب الثورة بمسيحيه ومسلميه كرقم أصيل لكن ما حدث هو أن الإخوان حكموا مصر بعقل قبلى، وأراد محمد مرسى استبدال الجيش الوطنى بالميليشيات العسكرية، وحاول تجنيب السلفيين والمسيحيين، واستقوى بالخارج كل ذلك لأنه لم يدرك أن الزمن قد تغير ولن تكون هناك جماعة مهما كانت قوتها هى الرقم الأول والوحيد.

وهكذا صارت جميع القوى على الأرض ضد الإخوان وبمساندة الجيش كانت الإطاحة الشعبية بمحمد مرسى وجاءت خريطة الطريق لتوضح أن أرقام المعادلة اليوم تتكون من الجيش ولأول مرة فى التاريخ، صارت الكنيسة والسلفيون رقمين هامين فى المعادلة المصرية، وأهميتهما أنهما يتكئان على وطنيتهما أكثر كثيرا من علاقاتهما الخارجية، والمدهش أن الاخوان ما زالوا يتمسكون بهذه العلاقات مع أنهم يعلمون أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو كانتا أساسا ضد التدخل الأجنبى فى شئون مصر، ودليلنا على ذلك أنه عندما اكتشف الشعب علاقة بعض شباب الثورة بالخارج سواء من خلال تدريبهم أو تمويلهم رفضهم تماما وكان الذكاء الحاد لقيادة الجيش والأزهر والكنيسة والسلفيين انهم بنوا سياستهم وبالتالى شعبيتهم على رفضهم لأى تدخل خارجى، وهكذا يمكن القول إن الرقم الأول الآن هو الجيش المصرى الوطنى والأرقام التالية له هم شباب الثورة الوطنيون بكل أطيافهم من مسيحيين ومسلمين والأزهر والكنيسة.

•••

وهكذا نرى أن الوطنية أصبحت الآن هى الفكرة الرابحة ليست محلياً فقط بل عالمياً، فالعالم يحترم بشدة شعوب وقيادات الدول التى تؤمن بوطنها وتموت لأجله وترفض التدخل الخارجى فى شئونها فالإغراق فى المحلية والتأكيد على الهوية هو طريق الوصول إلى العالمية. ولا شك أن أرقام هذه المعادلة هى التى سوف تتحكم بطريقة أو أخرى فى صندوق الاستفتاء على الدستور، ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بل وستشكل مستقبل مصر القريب وربما البعيد أيضاً وإن غداً لناظره قريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved