هل تعود القضية الفلسطينية إلى جدول الأولويات الشرق أوسطية؟

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 18 يناير 2021 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

من سمات العشرية الأخيرة فى المنطقة اختفاء القضية الفلسطينية عن جدول الأولويات الإقليمية، والمقصود بالطبع على المستوى الفعلى وليس العاطفى والشعاراتى المتكرر، والذى يبقى دون أى نتيجة على أرض الواقع. يرجع ذلك للتحولات التى انطلقت مع «الربيع العربى» والحروب والنزاعات المختلفة التى انتشرت فى المنطقة، واشتداد الصراعات الإقليمية والدولية فى الإقليم أيضا، وبالتالى تغير الأولويات الضاغطة عند جميع اللاعبين، إلى جانب التشدد الإسرائيلى المتمسك بسياسة فرض الأمر الواقع مقابل حالة الضعف والوهن والانقسام التى استقرت فى الجسم السياسى الفلسطينى. واكب وكرس هذا الغياب أو التغييب سياسة إدارة ترامب. السياسة التى شكلت، ليس قطيعة فحسب مع السياسات السابقة على الأقل على مستوى التمسك بمرجعيات وأسس التسوية بشكل عام، بل انقلابا على القرارات الدولية ذات الصلة وقواعد وأعراف القانون الدولى من خلال إضفاء شرعنة أحادية على سياسات الاحتلال والضم والقضم.
صحيح أن استمرار هذا الوضع بأولوياته وتوازناته قادر على أن يمنع من التوصل إلى التسوية السلمية حسب المرجعيات المشار إليها. ولكنه لا يستطيع أن يمنع التداعيات الخطيرة لغياب التسوية المطلوبة على الدول القريبة أولا، وبأشكال مختلفة ومتعددة، وعلى المنطقة من حيث إمكانية توظيف هذا الوضع من قبل أطراف عديدة، وخدمة لمصالح مختلفة لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، فى الحروب الساخنة والباردة فى المنطقة. أضف أن الهوية الوطنية لشعب يمكن قمعها لفترة ولكن لا يمكن إلغاؤها.
فى ظل هذه المعطيات وبهدف الخروج من مستنقع الفوضى والنزاعات المختلفة التى جعلت الشرق الأوسط إقليما ملتهبا منكشفا على جميع الاحتمالات الخطيرة، فإن العودة إلى إحياء عملية التسوية السلمية على الأسس المعروفة يبقى المدخل الواقعى والمبدئى والقانونى للإسهام فى إقامة الاستقرار والأمن فى المنطقة إلى جانب، بالطبع، معالجة النزاعات الأخرى.
فى هذا السياق يأتى الاجتماع الوزارى الرباعى فى القاهرة فى الحادى عشر من هذا الشهر، الذى ضمّ كلا من مصر والأردن وفرنسا وألمانيا. الاجتماع الذى جاء ثمرة للمشاورات الكثيفة بين هذه الدول منذ فترة، ولما لهذه الأطراف من دور ووزن على الأصعدة الإقليمية والدولية ولمصلحة الاستقرار الشرق أوسطى والمتوسط، فقد جاء ليؤكد على ضرورة العودة إلى المحادثات التى تهيئ للمفاوضات لاحقا على أساس حل الدولتين وعلى أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمرجعيات المعروفة. التغيير فى الإدارة الأمريكية أمر مسهّل ولكنه غير كاف. هنالك العديد من التحديات أمام دبلوماسية السلام التى تحملها الرباعية؛ تحديات كبيرة ولكنها ليست مستحيلة، منها الانتخابات الإسرائيلية القادمة فى مارس، وهيمنة اليمين المتشدد، بشقيه الدينى والعلمانى، الرافض للسلام رغم الخلافات التى تعصف بين أطرافه، وأهمية ترتيب الجسم السياسى الفلسطينى مع الانتخابات التشريعية والوطنية والرئاسية، وإعادة إحياء دور الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبى، روسيا والأمم المتحدة) بشكل أو بآخر لتدعم وتعزز دور الرباعية العربية الأوروبية.
إن دروس الأمس القريب والبعيد تدل على أن مراهم التسويات المرحلية وسياسات التسويف والتجاهل لن تؤدى إلا إلى مزيد من التعقيدات. وحدها التسوية الشاملة والعادلة والدائمة للقضية الفلسطينية التى تنبثق فى نهاية المطاف عن مؤتمر دولى برعاية الأمم المتحدة قادرة أن تساهم فى إرساء الاستقرار الإقليمى. إن نجاح المسار الدبلوماسى الذى يطلقه الرباعى العربى الأوروبى من القاهرة أمامه الكثير من المصاعب والمعوقات ولكنه ليس بالمستحيل، إذا ما أدركت الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة أن البديل عن ذلك هو المزيد من الانهيار والفوضى والصراعات المختلفة التى تغذى بأشكال مختلفة وتتغذى على استمرار هذا الصراع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved