الجماعة ورعاياها في ليبيا

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الخميس 19 فبراير 2015 - 11:41 ص بتوقيت القاهرة

1. من هنا يأتي الذئاب

لم تستحق الجريمة البشعة التي نفذها مجانين الإرهاب في ليبيا أكثر من 107 كلمات من الإخوان المسلمين، في بيان يثبت أن الجماعة فقدت حتى فضيلة التظاهر بالحكمة.

لا يذرف تماسيح الجماعة هذه المرة كثيرا من الدموع، فقد تعبوا من التمثيل، والبيان أدان الفاعل "أيا كان اسمه أو منظمته"، وكأن الخاطف مجهول، وكأن شريط الذبح لا يعني شيئا. لا ينطق البيان الإخواني اسم داعش الذي اعترف بالجريمة ووثقها، رغم أن الاعتراف سيد الأدلة.
إدانة إخوانية؟.

"سبحان الله، الإخوان نفسهم كانوا بيحرقوا كنايس المسيحيين في مصر، وكانوا بيقولوا كلاب تواضرس"، كما لاحظ كريم فريد على تويتر، وكما شاهدت آثار الحرائق بنفسي في المنيا، بعد فض رابعة والنهضة بأيام.
الإخوان قدموا للعالم فكرة التشكيلات الدينية الخارجة عن المجتمع وعليه، الفكرة التي تطورت إلى تنظيمات عابرة للحدود، وجماعات تطبق من الشريعة ما يخدم مصالحها، وذئاب منفردة دون علاقة واضحة بتنظيم ما. وبدلا من أن تحتفظ الجماعة بمسافة واضحة من الإرهاب، وتثبت أن "سلميتها أقوى من الرصاص"، تقدم كل يوم دليلا على أنها مصنع العنف والموت وكراهية الآخر، والحرب على الحياة.

2. خرجوا من دين الله

"وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان، ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبادا لهم، وسماهم مشركين؛ "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"، فهم عبدوا الطاغوت، أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها، وهم لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة، وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله".

سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص 292

3. يتعرضون للذبح لأنهم مسلمون

"الانحطاط السياسي والمهني لقناة رابعة يقول الكثير جدا عن مسألة الارتباط والانفصال بين داعش وأخواتها، ويحدد المسئوليات بشكل واضح لمن يريد أن يرى"، كما كتب محلل سياسي قبل يومين على فيسبوك.

الجنود الشهداء الذين يموتون باسم التطرف الديني في سيناء، هم بالنسبة للإخوان مجرد "ضحايا مخابرات محلية وإقليمية ودولية"، كما قال بيان الجماعة في نهاية أكتوبر.

ثم هذه النبرة الشيطانية الشامتة بعد كل عملية خسيسة ضد الأبرياء.

الرمز الديني الأكبر في الإخوان، الشيخ القرضاوي، وقع البيان المراوغ لاتحاد العلماء عن مذبحة ليبيا قبل أيام، وأهدانا اكتشافه المبهر، بأن المذبحة "رسائل استدعاء للتدخل المصري والأوربي المباشر، بغية إجهاض الثورة الليبية".

د.جمال حشمت، القيادي الإخواني الشهير بعبارة "دا عند مامته"، ردا على مبادرة للصلح مع النظام بعد الإطاحة بمرسي، سأل بعد مذبحة ليبيا: لماذا لم يأمر تواضروس رعاياه بضرورة العودة لمصر قبل الحرب؟.

يتحدثون عن البابا "ورعاياه" بهذا الانحطاط، فيؤسسون لثقافة احتقار المسيحي، ومن ثم قتله عندما تحين الفرصة.

 

"صقور الإصلاح" صفحة إخوانية، يقترب أعضائها من 335 ألفا، وهي نموذج للكراهية الطائفية، والتحريض على المسيحيين. لا ترى الصفحة في المذبحة سوى ذكرى لاستعادة أسماء "الأخوات" على السبحة: ماري، ميريان، تريزا، كاميليا، وفاء، "وغيرهم ممن يتعرضون للذبح لانهم مسلمون"، بنص التدوينة.

كذب وتحريض طائفي مشبوه، فكل واحدة كانت بطلة لقصة عاطفية أو عائلية بعيدة عن العقائد، بدليل عبير التي أشعلت الحرائق في كنائس امبابة، وأهمل الإخوان اسمها بالقصد في هذا التحريض.

4. شهادة فنية

الفيديو ده إتعمل بعد بروفات وتمرينات مع الضحايا عشان يظبطوا إيقاع الدبح. لا الفيديو مش متفبرك، واللي ماتوا ماتوا حقيقي.
المخرج السينمائي يسري نصر الله

5. مسلم وكافر ولا ثالث لهما

قبل يومين، توجهت صفحة «عملية فجر ليبيا الإرهابية» بجزيل الشكر والتقدير لكل الصحفيين والناشطين من أبناء الشعب المصري الحر، الذين تفاعلوا معنا إيجابيا متفهمين ما جرى".

المصريون الذين يشكرهم الإرهابيون "باركوا قتل النصارى، وتبرأوا من قصف أهداف المجاهدين". منهم رحاب أبو النجا التي كتبت بعد الغارة الجوية على داعش أنها مصرية، وأن قلبها يحترق "علي اخواننا وأهلنا بليبيا، وكل احرار مصر وليس العبيد، نتبرأ من فعل السيسي وجنوده".
أحرار وعبيد، تقسيم شيطاني غرسه سيد قطب في نفوس تابعيه، وأصبحت التقسيمة مقدسة.
العصبة المؤمنة مقابل الكفار، وحتى لو تنكروا في صورة مسلمين يصلون ويصومون، ويرفعون الأذان.
الأحرار مقابل عبيد البيادة، ولاحسيها.

الحرائر مقابل المومسات.

بالنسبة للصقر الإخواني الهارب إلى قطر عبد الرحمن عز، أي معارض للإخوان "واحد برأس كلب مع الاعتذار للكلب، بص يا عم البهيم، صفيحة زبالة وخرابة اسمها مصر، وانت زي البهيمة بتصدق، أنا برئ من وطنية أمك اللي شغالة بزمبلك حسب مزاج البيادة، والقنوات اللي مشغلينها عشان يشخوا في دماغك".

بعض نماذج يمكن نشرها، مع الاعتذار، من تدوينة واحدة، تنتهي بالخلاصة: "فيه مسلم وكافر .. غير كده ماعرفش".

لكن من يحدد المسلم والكافر؟ عبد الرحمن عز وجماعته، وكل المجرمين المنتفعين من شبكات الذبح باسم الدين.

على صفحته تنتشر التعليقات الإخوانية المحرضة. يتبرأ حامد موسى من جيش المرتزقة قاتل الأطفال في ليبيا، ولو لم تحدث الغارات، كان حامد موسى سيتبرأ من جيش مصر الذي لا يحرك ساكنا، كما كتبتها عزة الجرف قبل الغارة.

في كل الحالات، سيجد الإخوان أغنية مهدئة، بينما انتفاضتهم تهز ربوع أبو النمرس وكفر طهرمس، ضد الانقلاب وعصابته، والانقلاب مستمر.

6. بصماتهم على السكين

فاكرين الناس دى؟ كانوا بيطلعوا علينا فى التليفزيونات ويكفروا المسيحيين عينى عينك ويطالبوا بكاميليا ووفاء ويقولوا: دونهن الدم. اللي قتل ودبح مش داعش وبس، داعش نفذت.

السكينة اللى اتحطت علي رقاب الضحايا عليها بصمات الناس دي.

خالد منتصر في تعليق على صور بعض شيوخ القنوات الدينية في عهد مرسي

7. تغريبة الرزق والموت المجاني

لكن الإخواني الصريح عبد الرحمن عز لا يتجمل مثل زملائه: لعنة وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته وماري عبدالله وكل مسلمة مختطفة في أديرتكم ستحل عليكم جميعا يا فجرة.

يخاطب عز كل مسيحي على أرض مصر، وكل رجل دين قبطي، قبل أن يلقي بصرخة الوعيد المهولة ضد "السيسي وميليشياته": من زرع حصد، ولك فعل رد فعل، والقادم أسود مما فات.

الجريمة ضد الإنسانية "بيزنس كبير"، لا يدفع ثمنه إلا الفقراء من طوب الأرض. عساكر أمن مركزي في وديان سيناء. شباب كرة القدم. عساكر مرور في أكشاكهم الصغيرة. حراس السفارات. وأخيرا أبناء القرى المعدمة في الصعيد، وهم في تغريبة الرزق الحلال، والموت الحرام.

أما السادة فهم لا يموتون. غامضون، قتلة محترفون، تخفي الكاميرات وجوههم الحقيقية، ويظهر لنا عبد الرحمن عز وأمثاله.

8. وهل تقول داعش بغير ذلك؟

هاتان الفكرتان، "الجاهلية" التي أصابت المجتمعات الإسلامية، بل البشرية كافة، والتحرر منها والانعتاق من أسرها بتطبيق "الحاكمية"، هما الفكرتان الرئيستان في منهج سيد قطب الفكري، وهما الإضافة التي زوّد بها سيد قطب نهر الفكر السياسي الإسلامي. وحول هاتين الفكرتين تدور كل الأفكار الأخرى التي تصادفنا في كتب سيد قطب، وفي مقالاته.

موسوعة سيد قطب، بوابة إخوان أونلاين

9. اللي بيقع في إيديهم

"والله احنا سايبينها على ربنا"، هكذا تحدث معي ماهر شكري، شقيق الشهيد يوسف شكري أحد ضحايا المذبحة، قبل ساعتين من بث الفيديو.
"الناس دي اللي بيقع في إيديهم ما بيبقاش حي، بس احنا حاطين أمل في ربنا، عشمانين يمكن لسه حيين، ويمكن اتعدموا. ما اعرفش. احنا حاطين أملنا في ربنا، مش متكلين على أي حد يعني".

10. نلتقي بعد فاصل قصير جدا

اووه داعش، اووه داعش

من هتاف الإخوان المصاحب لرفع علامة رابعة، في المطرية في نوفمبر الماضي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved