كازينو الدولة

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 18 فبراير 2015 - 11:35 ص بتوقيت القاهرة

نشر الموقع الإسرائيلى gushــshalom (كتلة السلام) مقالا للكاتب الإسرائيلى أورى أفنيرى، وهو ناشط من نشطاء السلام ومؤسس موقع كتلة السلام، يحاول فيه الإجابة على سؤال حول من يحكم إسرائيل، مبينا فى إجابته أنه ليس صحيحا أن بنيامين نتنياهو هو من يحكم وإنما هو أحد أغنياء العالم وصاحب أكبر الكازينوهات فى الولايات المتحدة الأمريكية. حيث يوضح أفنيرى أن الحاكم الحقيقى هو شيلدون أديلسون، البالغ من العمر 81 عاما، أمريكى يهودى، ملك الكازينوهات، الذى يُقدّر أنه عاشر أغنى رجل فى العالم، تبلغ قيمة ممتلكاته 37.2 مليارا وفق الإحصاء الأخير. وتشتمل ممتلكاته على كازينوهات فى لاس فيجاس، وولاية بنسلفانيا، فى ماكاو وسنغافورة، مضيفا فى سخرية الحزب الجمهورى، وأخيرا أيضا مجلسى الكونجرس. وكذلك بنيامين نتنياهو.

ويشير أفنيرى إلى أن علاقة أديلسون بإسرائيل علاقة شخصية، فقد أحب امرأة إسرائيلية كان قد التقى بها فى موعد "أعمى". وهى مريم فربشتاين التى ولدت فى حيفا ودرست فى مدرسة "ريألي". وأتمّت خدمتها العسكرية فى المعهد البيولوجى فى نيس ــ تسيونا ــ المتخصص، من بين أمور أخرى، فى الحرب البيولوجية. إنها عالمة متعددة المجالات. بعد أن توفى أحد أبنائها (من زواج سابق) بجرعة زائدة من المخدّرات، كرّست نفسها أيضا لمكافحة المخدّرات، وخصوصا القنّب.

ويعتبر كلا الأديلسونيين، فربشتاين وأديلسون، مناصرين متعصّبين لإسرائيل. ليس لإسرائيل فحسب، بل بإسرائيل اليمينية، المتسلّطة، المتعجرفة، العنيفة، المتمدّدة، التى تضمّ، لا تتنازل والاستعمارية. و"بيبى" هو رجلهم. ويأملون بالسيطرة على إسرائيل بواسطته، كما لو كانت ميراثهم الخاص.

ومن أجل ضمان ذلك، قاموا بعمل حرج جدا: لقد أسسوا صحيفة "إسرائيل اليوم"، والتى تهدف إلى تعزيز مصالح بنيامين نتنياهو. ليس مصالح الليكود، ولا تلك السياسة أو غيرها، وإنما مصالح نتنياهو الشخصية.

•••

يوضح أفنيرى أنه قبل سنوات اختُرعت كلمة عبرية، من أجل تعريف الصحيفة التى توزّع مجانا: "حينمون" (صحيفة مجانية). ولم يحلم يومها بوحش مثل "إسرائيل اليوم"؛ وهى صحيفة ذات وسائل ليست محدودة، وتُوزّع يوميّا مجانا فى الشوارع والمجمّعات التجارية فى جميع أرجاء البلاد من قبل المئات، وربما آلاف النساء والرجال الموظّفين.

ويحبّ الإسرائيليون الحصول على شيء ما مجّانا. "إسرائيل اليوم" هى اليوم الصحيفة الأكثر انتشارا فى إسرائيل. إنها تسحب القراء والإعلانات من منافستها الوحيدة: صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التى تحظى حتى الآن بلقب الصحيفة الأكثر انتشارا فى البلاد. فى المقابل ردّت "يديعوت" بغضب. وأصبحت خصما متطرّفا لنتنياهو. حيث قال يوسى فيرتر، المحلّل فى "هاآرتس" إنّ كل المعركة الانتخابية الحالية ليست سوى معركة بين الصحيفتين. وهذا أمر مبالَغ به جدّا. بالنسبة للآراء السياسية والاقتصادية، فليس هناك تقريبا فرق بين الصحيفتين. الصحيفتان فائقتا الوطنية، داعيتان للحرب ويمينيّتان. تلك هى وصفة النجاح للصحف الجماهيرية فى جميع بلدان العالم.

ويبين أفنيرى أن "يديعوت" هى ملك لعائلة موزيس. الناشر الحالى، أمنون "نونى" موزيس، هو ابن الجيل الثالث للعائلة، وهو زعيم إمبراطورية اقتصادية واسعة، تستند إلى هذه الصحيفة. تخدم الصحيفة مصالحه الاقتصادية، ولكن ليست لديها مصالح سياسية خاصة.

ويستدل أفنيرى على ما قاله بإحدى الحوادث، حيث يقرأ الإسرائيليون "إسرائيل اليوم" (شىء مجانّى، بعد كل شىء)، ولكنهم لا يحبّون بالضرورة الرجل وأساليبه. ولذلك تجمّع بعض أعضاء الكنيست، من أعضاء أحزاب مختلفة، وبادروا إلى اقتراح قانون يحظر تلك الصحيفة اليومية المجانية. وفى المقابل قام نتنياهو وحزب الليكود بكل ما بوسعهم من أجل إحباط سنّ هذا القانون. ولكن فى القراءة الأولية (وهى مرحلة ضرورية فى تشريع "اقتراح قانون خاص" لأعضاء الكنيست)، تلقّت الصحيفة المجانية ضربة قوية. تغيّب بعض أعضاء حزب نتنياهو عن التصويت، كى لا يصوّتوا صراحة ضدّها. أمسكت الكاميرات نتنياهو وهو يركض فى الكنيست إلى مقعده قبيل التصويت. وكانت نتيجة التصويت 43 ضدّ 23. تغيّب نصف أعضاء الليكود تقريبا. وصوّت وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان وحزبه لصالح اقتراح القانون. وهذا ما قام به أيضا الوزيران يائير لبيد وتسيبى ليفنى.

وما زالت الطريق طويلة من التصويت الأولى حتى اعتماد القانون فى التصويت النهائى. كان هناك وقت كثير من أجل دفن اقتراح القانون فى إحدى اللجان. ولكن نتنياهو انفجر غاضبا. بعد أيام من التصويت الأولى أقال لبيد وليفنى من الحكومة، وهكذا ساهم بيديه فى تفكّك الائتلاف. تفرّق الكنيست الـ 19 قبل انتهاء نصف مدّة ولايته.

•••

يلعب المال فى هذه الأيام دورا رئيسيا فى المعركة الانتخابية. تُدار الدعاية الانتخابية فى التليفزيون، والتليفزيون جهاز مكلف. فى إسرائيل، مثل أمريكا، يتم ضحّ أموال قانونية وغير قانونية للحملة وبغزارة، بشكل مباشر وغير مباشر أيضا. تغلق المحاكم فى كلا البلدين أعينها. ومع ذلك، فهناك تأثير هائل لأباطرة المال الأثرياء. استثمر أديلسون فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى الولايات المتحدة مبالغ طائلة لدفع مرشّحه للانتخابات. دون جدوى. ربما لا يحبّ الأمريكيون الحكّام من أصحاب الكازينوهات.

وقد قدّم أديلسون مشاركته قبيل الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 2016. حيث دعا إلى مقرّ القمار الخاص به فى لاس فيجاس جميع المرشّحين الجمهوريين البارزين، من أجل التحقيق معهم على ولائهم له ولنتنياهو. لم يجرؤ شخص منهم على التغيّب. هل كان يجرؤ سيناتور رومانى على رفض دعوة القيصر؟

ويوضح أفنيرى فى إسرائيل، ليست هناك ضرورة لهذه الطقوس. يعرف الأديلسونيّون ــ شيلدون وميرى أيضا ــ من هو رجلهم. فصحيفة "إسرائيل اليوم" هى، بطبيعة الحال، آلة دعائية ضخمة، وهى مكرّسة كلّها لإعادة انتخاب نتنياهو. كلّ شىء قانونى تماما. فى الديمقراطية لا يستطيع أحد منع صحيفة من تأييد هذا المرشّح أو ذاك. ولذلك اسرائيل ديمقراطية.

ولذلك فهناك حاجة للصهيونية. وفقا للمعتقد الصهيونى، فإنّ إسرائيل هى دولة جميع اليهود أينما كانوا. كل يهودى فى العالم ينتمى إلى إسرائيل، حتى لو كان يعيش فى دولة أخرى. قبل أيام قليلة زعم نتنياهو علنا بأنّه يمثّل ليس فقط دولة إسرائيل، وإنما كلّ "الشعب اليهودى". ومفهومٌ أنّه ليست هناك حاجة لسؤال اليهود فى العالم إذا ما كانوا يريدون أن يكونوا ممثّلين من قبله. فإنّ هذه هى الصهيونية، أليس كذلك؟
ووفقا لذلك فإنّ أديلسون ليس أجنبيّا. إنّه واحد منّا. صحيح أنّ ليس لديه الحقّ كما يبدو بالتصويت فى الانتخابات الإسرائيلية، وإنْ كانت زوجته تملك هذا الحقّ، على الأرجح. ولكن العديد من الناس، وهو نفسه أيضا، مقتنعون بأنّه باعتباره يهوديّا فله الحقّ فى التدخّل فى شئون اسرائيل.
ويضيف أفينوى ساخرا أن أديلسون طبخ أيضا أكلة "العصيدة" السامّة، التى تهدّد الآن شريان الحياة فى إسرائيل. فقد أقنع سفيره، درمر، أعضاء الكونجرس الجمهوريين ــ والذين يتمتّع جميعهم بدعم أديلسون أو يأملون بالتمتّع به مستقبلا ــ بدعوة نتنياهو لإلقاء خطاب ضدّ الرئيس أوباما أمام مجلسى الكونجرس الأمريكييْن.

•••

فى الوقت الذى نضجت فيه هذه المهمّة خفية، التقى درمر مع وزير الخارجية الأمريكى وأخفى عنه موضوع هذه الدعوة. وليس عجبا أنّ الرئيس أوباما قد أعلن ــ فى نوبة من الغضب ــ بأنّه لن يلتقى بنتنياهو.

من ناحية المصالح الحيوية لإسرائيل، يوضح أفنيوى أن هذا جنون تامّ. حيث يسخر رئيس الحكومة الإسرائيلية من رئيس الولايات المتحدة، الرجل الذى يتحكّم بتدفّق السلاح الأمريكى لإسرائيل وبفرض الفيتو (حقّ النقض) على قرارات الأمم المتحدة. ولكن بالنسبة لأديلسون فهذا منطقى تماما، إذ إن هدفه الرئيسى هو دفع أمريكا لانتخابات رئاسية تخدم قضيّته. وكان قدّ هدّد باستثمار مبالغ طائلة من أجل منع إعادة انتخاب كل عضو كونجرس سيجرؤ على التغيّب عن خطاب نتنياهو.

وفى النهاية يعتقد أفنيوى اقتراب نشوب حرب علنية بين الحكومة الإسرائيلية وبين رئيس الولايات المتحدة.
فيبدو أنّ هناك من يلعب بلعبة "روليت" مستقبل إسرائيل؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved