القاهرة باريس

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 18 فبراير 2023 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

تدرك المدن الكبرى أن التصوير السينمائى بشوارعها ومعالمها، يمثل زخما ثقافيا وتاريخيا بل وجغرافيا، فتلك الأعمال التى تصور تشكل دون شك شهادة حضارية موثقة لشكل المدينة، وهذا ما كان يحدث لدينا فى عقود سابقة فى سينما الاربعينيات والخمسينيات وأيضا الثمانينيات عندما عادت مع أفلام عاطف الطيب وخيرى بشارة وفارس المدينة محمد خان. أقول ذلك بعدما أعلنت سلطات العاصمة الفرنسية باريس، أن العاملين فى مجال السينما أمضوا أكثر من 7000 يوم تصوير فى شوارع باريس العام الماضى، وتم تصوير 102 فيلم و68 مسلسلا تلفزيونيا فى باريس خلال عام 2022.

وقامت أيضا المنصات مثل نتفليكس بتصوير أعمال فى عاصمة النور، مثل «إيملى فى باريس» و«لوبين». كما كانت موقع تصوير العديد من الإنتاجات من أجل القنوات التلفزيونية الفرنسية.
ويؤكد مسئولو باريس أنها تدعم قطاع السينما بالملايين من اليورو، وهناك إدارة خاصة معنية بتلقى طلبات التصوير فى المدينة كى تظل دائما حاضرة على الشاشة.

باريس تدرك أن جزءا كبيرا من إلهام مواطنى العالم بها، يعود إلى صورتها الذهنية التى رسخت عبر الاعمال الفنية، وفى مقدمتها السينما، وتوارث المخرجون عشق باريس وقدموها فى أفلام عديدة وفى مقدمتهم المخرج وودى آلن الذى قدم فيلمه «منتصف الليل فى باريس»، ففى الفيلم الفائز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل سيناريو أصلى، يصحبنا آلن فى رحلة مع كاتب شغوف بباريس فى العشرينيات، يتم بشكل رومانسى وبسيط للغاية، كل ليلة فى منتصف الليل فى أحد شوارع باريس الضيقة، تمر عربة تجرها الخيول أو سيارة من طراز قديم، لتصحب البطل فى رحلة مدهشة إلى زمن ومكان دون أى نظريات علمية.

نعم باريس، مدينة الأضواء، والمقاهى والشوارع التى لا تخلو أبدا من الزائرين، والتى يرغب الجميع فى زيارتها ولو لمرة واحدة فى العمر ولا يمكن إنكار أن السينما العالمية نجحت فى نقل صورة مصغرة للمدينة عبر الأفلام التى تدور فيها، وهنا أقول إن القاهرة أيضا لا تقل عن باريس، لدينا الشوارع وقد شكّل هذا الجانب موضوع اهتمام الباحث المصرى نزار الصياد أستاذ العمارة فى جامعة كاليفورنيا، الذى انشغل منذ قرابة 20 سنة فى تدريس العلاقة بين المدن وتمثيلها فى السينما، فى كتابه «المدن السينمائية» عبر فكرة تقول إنّ الصورة التى تخلقها السينما عن المدن لا تمثّل الواقع فقط، بل تتحول أيضا إلى أدوات لخلق وتدعيم المدينة الحقيقية العتيقة والآثار والحضارة والمتاحف، لدينا الكثير الذى يستحق أن يغازل صناع السينما العالمية لتصوير مشاهد أعمالها هنا، وهو الامر الذى وجب معه تغير الفكر، والقوانين المعرقلة واستنارة رقابة تخلو من الهواجس ونظرات المؤامرة وفتح الباب للتصوير الأجنبى فى القاهرة، وأكاد أجزم أن كثيرا من المخرجين سيقعون فى غرامها وبالتالى ينجذب الجمهور من مختلف الجنسيات لزيارتها ومشاهدتها على أرض الواقع ومحو صورة ذهنية تشكلت مليئة بمشاهد وخرافات سلبية وأساطير قديمة، وأيضا لصورة أحادية الجانب ساهمت فيها بعض أفلامنا السينمائية نفسها، ولا ننكر مدى التأثير الذى لعبته السينما المصرية فى القرن العشرين على صعيد خلق صورة متخيلة عن القاهرة.

الباحث المصرى نزار الصياد أستاذ العمارة فى جامعة كاليفورنيا، الذى انشغل منذ قرابة 20 سنة فى تدريس العلاقة بين المدن وتمثيلها فى السينما، فى كتابه «المدن السينمائية» عبر فكرة تقول إنّ الصورة التى تخلقها السينما عن المدن لا تمثّل الواقع فقط، بل تتحول أيضا إلى أدوات لخلق وتدعيم المدينة الحقيقية.

يا سادة القاهرة مدينة تستحق أن تكون فى قلب العالم، وكم ألهمت أدباء وفنانين غزلوا من شوارعها وبشرها إبداعهم.. نجيب محفوظ ومختار، وأتذكر أن الكاتب الانجليزى دايان سينجرمان قدم كتابا بعنوان «القاهرة مدينة عالمية» أثبت فيه بما لا يدع مجالا للشك قيمة القاهرة.

لما لا نفكر فى دعوة ممثلين لكبرى شركات الإنتاج فى هوليوود وأوروبا لزيارة سياحية لمعالم القاهرة، ووسط المدينة على مراحل، والتحاور معهم للتعرف على جغرافية المدينة وتاريخها لتبدأ لحظة الشغف، وفتح ملف تصوير أعمالهم هنا ولتكن تلك الدعوة من مجلس الوزراء عبر لجنة خاصة وعقول مستنيرة تدرك قيمة الاستثمار فى تلك المسألة الحيوية بتقديم جميع وسائل الدعم لإعادة القاهرة لخريطة التصوير العالمية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved