محمود درويش.. كم أنت باقٍ فينا

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأربعاء 14 مايو 2014 - 4:38 م بتوقيت القاهرة

كلما تطلعت يمينا أو شمالا.. قرأت خبرا بين صفحات جرائدك المسطرة مسبقا بفعل الدولة أو الحكم أو المالك وصاحب رأس المال! كلما نبشت بين الأسطر والأحرف وكثير الكلام مساء على فضائيات هذا الوطن الممتد طويلا.. فعلت ذلك بحثا عما يبعث على بعض من النور فى شدة عتمة الأيام، أو ربما عن بصيص أمل فى كومة الظلام الدامس.. كلما فعلت تجد نفسك خارج الزمن كله بل خارج الكون.. أنت وحدك بينهم، هم ليسوا محبين لله وأنبيائه، ولا يريدون أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه.. فكل ذلك غطاء لجهل شديد يغلف خطابهم وحواراتهم.. أصبحت التسمية تردد بشكل مبسط تكفيريين أو إرهابيين أو متطرفين أو... ويبقى السؤال العالق بين الأسطر المتناثرة أيضا.. ذاك السؤال من صنع كل هذا الجهل.. أليس الجهل صناعة؟

•••

هى معركة أخرى شبيهة بتلك الغزوات التى يطلقون عليها أسماء من كتب التاريخ رغم أن كتب التاريخ تخجل من مثل هذه التشبيهات.. راحوا فى معركتهم على الكتب.. انقضوا على كتبه هو بالذات وبدأوا فى الشتائم، هكذا قيل أو هكذا كتبت الصحف.. هم بعض مما يطلقون على انفسهم رسل الله على الأرض! رفعوا الخناجر والسيوف هناك وهنا أصواتهم الغليظة والحيلة المكررة بالتكفير.. إنه كافر قالوا بل قال أكثرهم جهلا إنه «نصرانى» يكره الإسلام ويشوه نبى الله والرسل! أخذوا يعبثون بالكتب الأخرى ينبشون الخط ويفتشون بين الكلمة والأخرى.. لكل كلمة معنى لديهم هم فقط فى قاموسهم المحدود المعانى والكلمات، وتفسيرهم الضيق جدا للدين والعلم والثقافة.. ردد أحد الواقفين وأكثرهم جرأة ــ فأنت بل نحن بحاجة لبعض الجرأة للوقوف أمام محاكم التفتيش الجديدة ــ قال: «المسيحيون لا يسمون محمود» لم يلتفت إليه أحد بل بعضهم أرسل له ببعض النظرات والعبارات التى تقول سيأتى الدور عليك لو استمررت فى مثل ما تقوم به.

•••

هو الذى قال: «إن أكثر، أيها الكائن الحى.. لنصدق أن على مثل هذه الأرض المجبولة بالجريمة، شئيا ما يستحق الحياة.» وهو الذى أنشد وغرد لنا جميعا.. هو صاحب كل ذلك الكم من الجمال.. هو فراشة الفرح الدائمة رغم حزن الأيام وسرقة الوطن.. هو صاحب «سرير الغائب، أثر الفراشة، لا أعرف الشخص الغريب، صباحكم فلسطين، أحبك أكثر، أحد عشر كوكبا، أحمد الزعتر، إلى أمى، برقية من السجن، بطاقة هوية، تقاسيم على الماء، وآخرين كثر».

•••

هو الذى غادرنا وبقى هنا، كلما ضاقت المساحات بنا عدنا إليه.. نتأبط كتبه وكأنها أبناؤه وبناته الذين علينا الحفاظ عليهم وضمان بقائهم.. كلما نفدت طبعة من كتبه جاء الطلب لألف طبعة أخرى.. هو الراقد فوق أرض فلسطين وتحت ترابها.. هو الذى أوقد القضية لسنين طويلة وحمل نبراسها بشديد من الحب لها.. هو الذى علمنا طعم خبز أمه وأمنا.. هو الذى علمنا كل الحب بما فى ذلك حب الله.. هو ذاته يقف بعض الملتحين هناك على حافة الكون يريدون تمزيق كتبه بل ربما حرقها كما فعل قديما كثير من الجهلة.. كل ذلك يحدث اليوم، الأن، هنا حيث يقال إن هناك معركة على التكفيريين وأولئك الرافضين إلا لفكرهم.. مدعو الدين وهم من يلوثونه أيضا.. شىء ما يقول إن أمر ما بحاجة لإعادة نظر، شىء ما يقول إنهم ينتصرون لأن هناك من عمل على تربيتهم.. عودوا إلى كتب المدارس الأولى، فتشوا هناك خلف جدران مدارسكم لتعرفوا من يزرع كل هذا الجهل.. فمن يزرع الريح يجنى العاصفة حتما!

•••

هو ربما الآن هناك يتطلع لهم من الأعلى ويبتسم ابتسامته المعهودة وبين يديه فنجان قهوته وربما يسخر منهم فهو الأكثر حياة منهم.. هو الميت أكثر حضورا من كل أولئك الواقفين على باب الزمن لا يطرقونه ولا يدخلون بل يقفون عنده يحاولون أن يوصدوا الأبواب فى وجه العلم والفن والجمال وهم بعثوا أنفسهم رسلا للجهل لا للفضيلة.. هو الواقف هناك فى عليائه يردد: «لم أولد لأعرف أننى سأموت، بل لاحب محتويات ظل الله، يأخذنى الجمال إلى الجميل، وأحب حبك، هكذا متحررا من ذاته وصفاته»، إنه باقٍ هنا لن يغادرنا أبدا مهما كثرت سيوفهم وخناجرهم وظلاميتهم وجهلهم الباقى يختبئ للصغار فى كتب توزع باسم العلم والتعليم!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved