بين حسن وحسنية والمدير الكبير

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 18 مارس 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

بعد تعيين حسن وحسنية فى فرع شركة كبيرة، أرسل لهما المدير الكبير كتيبا يشرح فيه مفاهيم العمل وفلسفته وآلياته.
استقبلهما المشرف العام وشرح لهما الكتيب بالتفصيل ثم سلم كلا منهما نسخة.
فهمت حسنية التعليمات واستوعبتها وبدأت تعامل الزبائن والعملاء بما يرضى ضميرها المهنى والقواعد التى قرأتها وفهمتها.
حسن أيضا أبدى اهتماما مدهشا بالتعليمات. حفظ الكتيب عن ظهر قلب ولم يعد يفعل شيئا دون أن يفتحه ويرجع له.
حسنية تحب المدير وتحب عملاءها. وهم أيضا كذلك.
أما حسن فيحب المدير. ويقول: إنه يحب من العملاء فقط من فهم أن المدير يحبهم. كلما فعل شيئا، أرسل للمشرف العام يخبره أنه إنما فعلها حبا فيه وفى المدير. وكلما قابل عميلا حرص على تذكيره بأنه لم يعامله باحترام، إلا استجابة لتعليمات المشرف العام والمدير الكبير. بعدها يختم لقاءه بالتمتمة فى خشوع وورع «أحب المدير جدا»، ثم يهرع لمكتب المشرف العام ويترك رسالة يقول له فيها: ليتك رأيت كيف كنت أخاطب العميل. ليتك شاهدتنى وأنا ألتزم بكتيب المدير وأوامره وشروحك لها؟ لا تعلم كم أحب المدير على الرغم من أننى لم أره. ولا تعلم كم أحبك. لقد صرت أتكلم مثلك، أمشى مثلك، أهرش مثلك، أعطس مثلك، أحلق مثلك، حتى أسنانى أغسلها مثلك.
كانت حسنية على قناعة بكتيب المدير وتراه امتدادا لفلسفة عمل أخلاقية وإنسانية تتفق مع ضميرها المهنى، والمنطق السوى، والممارسة المهنية المحترمة.
فى حين أن حسن كان يرى أن المسألة برمتها لا علاقة لها إلا بطاعة المدير، وحبه، والتفانى فى إظهار هذه الطاعة وهذا الحب.
فى تقاريره ورسائله وأحاديثه ونداءاته وصيحاته المباغتة كان حسن يؤكد دوما أنه يطمع فى تقدير المشرف وكذا فى علاوة نهاية العام التى كان يراها جائزة ستتوج سنوات من المعاناة فى سبيل إرضاء المدير.
كان يشعر أنه يبذل مجهودا كبيرا بتفانيه، ويقاوم نزعات تحثه دائما على أن يفعل عكس ما طلب منه. وكان يرى أن العلاوة مقابل مرضٍ للمعاناة والمجهود اللذين بذلهما.
على الجانب الآخر لم تكن حسنية تشعر أنها تعانى. كانت مستمتعة بعملها، وبحب الناس لها وبحبها لهم. لم تكن قلقة لأنها تثق فى عدالة المدير وحسن متابعته وتشعر أن سلوكها يأتى امتدادا طبيعيا لقواعد تؤمن بها أكدها المدير بكتابه والمشرف بشرحه.
كان حسن نموذجا مبهرا فى الالتزام. يسير فى الشركة صباح مساء وهو يردد بصوت عال مقاطع من كتيب العمل، يصرخ بحب المدير ويهتف دائما بصوت عال طالبا لعلاوة آخر العام التى يرى أن أحدا لن يستحقها غيره وأن السبيل الوحيدة للحصول عليها هى أن يفعل الجميع كما يفعل. كما أنه لم يفوت مناسبة إلا وطلب من حسنية أن تفعل كما يفعل.
لم يكن حسن يفترق عن كتيب التعليمات. ساعة يحمله فى يده، وساعة يربطه فوق رأسه ليرى الناس موضعه المكرم. أحيانا كان يباغت العملاء بإخراج الكتيب وتقبيل غلافه وصفحاته فى وله.
قبل أيام وصل خطاب من المشرف يعلن فيه أن المدير سيستقبل حسن وحسنية وسيمنح أحدهما علاوة استثنائية باعتباره الموظف المثالى.
لا نعلم عن المدير إلا أنه مثال للاحترام المطلق والفهم العميق والإدراك اللامتناهى والعدل الذى لا تشوبه شائبة.
وعند طباعة المقال كان الكل فى حيرة من الأمر.
من يا ترى الموظف المثالى الذى سيفوز بالعلاوة؟
حسن المتوله فى حبه وحافظ كتيب القواعد، والمؤكد دائما وأبدا أنه لم ولن يفعل شيئا إلا استجابة للمدير وطاعة له؟
أم حسنية التى تحب المدير، وتفهم قواعد كتيبه وتعيشها وتطبقها وترى أنها عادلة وأخلاقية واحترافية وإنسانية؟
هل هو حسن؟
أم هى حسنية؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved