خطيئة الباحث الكندى والجارديان والنيويورك تايمز

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 18 مارس 2020 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

ما هو الخطأ القاتل الذى وقع فيه الباحث الكندى بجامعة تورنتو إسحاق بوجوش، وكل من صحيفتى الجارديان البريطانية، ونيويورك تايمز الأمريكية؟!.

للأمانة هو أكثر من خطأ، ويصل إلى حد الخطيئة واتهامهم بتعمد تشويه صورة مصر وحكومتها وشعبها، وإظهارها بأنها بؤرة لفيروس كورونا عالميا، على خلاف الواقع!.
فى مرات كثيرة تقوم الجارديان والنيويورك تايمز وواشنطن بوست، والوول ستريت جورنال، وبعض الصحف الأمريكية والبريطانية، بكتابة افتتاحيات معارضة جدا للحكومة وللنظام السياسى المصرى، لكن كل هذه الافتتاحيات المستمرة والساخنة، تظل وجهات نظر لهذه الصحف، وتحتمل الصواب والخطأ، ويفسرها البعض بأنها تعبر عن قناعات هذه الصحف بالحريات والليبرالية، رغم أن آخرين يرونها استهدافا ممنهجا للنظام السياسى المصرى منذ ٣٠ يونيه ٢٠١٣.
لكن الخطأ الأخير، تجاوز كل ما سبق، ويصل إلى مستوى غير مسبوق من الاستهداف الممنهج، ليس للنظام السياسى، ولكن للبلد بأكمله.
الباحث أو دكتور الأمراض المعدية الكندى إسحاق بوجوش قدم دراسة لمجلة علمية رصينة تحتوى على تقدير إحصائى، يشير إلى أن عدد المصابين بفيروس كورونا فى مصر يصل إلى ١٩٣١٠ حالات، باعتبار أن متوسط الحالات طبقا لتقديراته يتراوح بين ٦٢٧٠ و٤٥٠٧٠ حالة، معتمدا بالأساس على حركة الطيران وأعداد المسافرين بغض النظر عن جنسياتهم.
المجلة العلمية الرصينة طلبت أن يتم تحكيم البحث ــ أى التأكد من دقته الكاملة ــ، وطلبت منه ألا ينشر أى شىء عن هذه الدراسة إلا بعد التحكيم.
والمفاجأة أنه لم يلتزم وسارع بالكتابة على تويتر، وقامت الجارديان بالنقل منه دون أن تتأكد بدورها، ثم قامت النيويورك تايمز بنفس الأمر، رغم أن الجريدتين يفترض أنهما كبيرتان ويعرفان جيدا الفرق بين الرأى، والتقدير، والمعلومة، وضرورة تحكيم الدراسات العلمية، لكنهما للأسف لم يفعلا ولم يقبلا حتى الآن الاعتذار عن هذه السقطة العلمية والمهنية الكبيرة، وعندما هاجمه كثيرون على كلامه غير العلمى، بدأ يتراجع ويقول إن الرقم الصحيح أقرب إلى ٦٠٠٠ حالة إصابة فقط.
أعجبنى كثيرا ما كتبه الكاتب الصحفى المجتهد محمد أبوالغيط على صفحته على الفيسبوك حينما فنَّد كلام الباحث الكندى، وسأل سؤالا مهما: هل المنطقى أن الحالات المصابة فى مصر أكبر بكثير من الأرقام المعلنة؟!.. وأجاب بأنها بالطبع لابد أن تكون كبيرة، لكن هذا هو وضع العالم كله، وأنه يستحيل أن يتم عمل تحليل «بى سى آر» لكل الشعب مرة واحدة.
السؤال الثانى: هل تتعمد الحكومة المصرية إخفاء العدد الحقيقى؟!.. الإجابة وكما يقول أبوالغيط إنه يصعب تصور ذلك، فحتى الصين وإيران وهما دولتان مقفولتان تماما، لم تستطيعا إخفاء الحقيقة، فى حين أن مصر بها ٣٤٫٥ مليون حساب فيسبوك وعدد لا نهائى من الموبايلات ذات الكاميرات، وبالتالى يصعب إخفاء الحقيقة.
أما الدليل الأكثر أهمية الذى يدحض رواية الباحث الكندى كما كتب أبو الغيط، فهو العينة العشوائية الحقيقية التى أجرتها السلطات الكويتية، حينما قامت بإجراء تحاليل لعدد ٢٥٠٠ مصرى دخلوا الكويت فى آخر أسبوعين، وثبت عدم وجود أى إصابة بالفيروس، علما أن هذه العينة تمثل المجتمع المصرى تمثيلا شبه حقيقى لأنها تأتى من أماكن متنوعة داخل مصر.
هل هناك احتمال لزيادة حالات الإصابة بالفيروس؟!. نعم وهذا الأمر يكرره الكثير من المسئولين المصريين كل يوم، وهذا الاحتمال موجود فى كل البلدان التى ضربها الفيروس، والدليل ما قاله رئيس الوزراء البريطانى يوم الثلاثاء الماضى بأنه يتوقع أن يكون عدد الحالات المصابة فى بلاده أكثر من خمسين ألف حالة، وليس ألفى حالة.
لو أن الباحث الكندى أجرى دراسته على عينة عشوائية من بلدان مختلفة من بينها مصر، فربما لم يكن لينتقده أحد، لكن حينما يختار مصر فقط، وتسارع صحيفتان كبيرتان بنشر الرقم باعتباره ناتجا عن دراسة علمية موثقة، وليس مجرد أرقام افتراضية، فالأمر يدعو للريبة.
قرأت وتابعت ما كتبه وقاله الدكتور أسامة حمدى، ومعه العديد من العلماء والأساتذة المصريين بالخارج، ووزارة الهجرة، والزميل الإعلامى أحمد فايق، وبيانات مجلس الوزراء، والهيئة العامة للاستعلامات، وجميعهم ردوا على الباحث الكندى وأؤيد تماما ما ذكره الدكتور أسامة حمدى بضرورة تقديم شكوى رسمية لجامعة تورنتو للتحقيق مع الباحث بتهمة غياب الأمانة العلمية، وأن تقوم الصحيفتان بسحب الخبر والاعتذار عنه، خصوصا أنه وفر منصة للعديد من وسائل الإعلام غير المهنية باستخدامه على نطاق واسع، وكأنه معلومة محققة وربما كان سببا فى منع المصريين من دخول دول كثيرة.
الملاحظة الجوهرية أن العديد من معارضى النظام المصرى، اعترضوا تماما على دراسة الباحث الكندى، وعلى معالجة الجارديان والنيويورك تايمز، وهو جرس إنذار للصحيفتين أخطر من قرار هيئة الاستعلامات بطرد مراسلة الجارديان وإنذار مراسل النيويورك تايمز!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved