الأزمة المنسية!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 18 مارس 2022 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

تتعمق المخاوف يوما بعد يوم، من أن قضية سد النهضة الإثيوبى ستظل تراوح مكانها، ولن تشهد فى المدى القريب أى اختراق حقيقى، يحمى ويحافظ على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، حتى تتحول مع مرور الوقت إلى أزمة منسية، نظرا لغياب الضغوط الحقيقية التى تجبر أديس أبابا على سلوك طريق التفاوض الجاد للوصول إلى تسوية عادلة تحقق الفائدة للجميع.

فقبل أكثر من عشرة أيام، وجه وزيرا خارجية مصر والسودان، خلال لقائهما على هامش اجتماع مجلس الجامعة العربية، الدعوة إلى بدء مفاوضات جادة تحت رعاية رئاسة الاتحاد الإفريقى حول سد النهضة بحيث يفضى ذلك إلى اتفاق قانونى ملزم يحقق مصالح الدول الثلاث، مع دعوتهما الجانب الإثيوبى إلى الانخراط الفعال فى هذه المفاوضات فى أسرع وقت ممكن، إلا أن تلك الدعوات لم تلق ــ كالعادة ــ آذانا صاغية من جانب أديس أبابا.

ليس هذا فحسب، بل إن إثيوبيا ــ وفق ما ذكر خبراء فى مجال المياه ــ قامت بفتح بوابتى التصريف فى السد بعد هذه الدعوة بيومين، من أجل تعلية الممر الأوسط استعدادا لبدء التخزين الثالث خلال فترة الفيضان المتوقعة فى شهور الصيف المقبلة، حتى من دون التوصل إلى اتفاق مع دولتى المصب.

هذه التطورات وما سبقها من إعلان إثيوبيا رسميا بدء إنتاج الكهرباء من سد النهضة، تدفع البعض إلى التساؤل عن أسباب عدم تحرك الحكومة المصرية جديا، لوقف العدوان الإثيوبى على حقوقها التاريخية فى مياه النيل وتهديد حياة أكثر من 150 مليون مواطن فى دولتى المصب، وهل يعد ذلك قبولا بالتعنت الذى تبديه أديس أبابا، ومحاولاتها الدائمة للتحكم والسيطرة على نهر النيل، الذى تعتمد عليه مصر فى تأمين احتياجاتها المائية بنسبة تصل إلى97%، نظرا لأنها تعد من أكثر دول العالم معاناة من الشح المائى، وفقا لتصريح وزير الموارد المائية والرى محمد عبدالعاطى؟

بالتأكيد لا.. فأى حكومة فى مصر يجب ألا تقبل أبدا بأن تكون بلادنا رهينة لسلاح المياة الإستراتيجى، أو تسمح لإثيوبيا أو غيرها بأن تتحكم فى مصير شعبها ومستقبله، مهما كانت الظروف.. فهذه القضية كما تردد الدولة المصرية دائما مسألة حياة أو موت ولا مساومة عليها أبدا.

ما يبدو للبعض من غياب الاهتمام الكافى بهذه الأزمة المصيرية، وعدم تصدرها أجندة العمل الدبلوماسى المصرى، مرده بالتأكيد إلى التطورات غير المتوقعة على الساحة الدولية، والمتمثلة فى الحرب الروسية الأوكرانية، والتى سرقت الأضواء من جميع القضايا والأزمات، ودفعت العالم إلى حبس أنفاسه خشية تحولها لحرب عالمية ثالثة لا يحمد عقباها أو مداها.

هذه الحرب ألقت بظلالها على الأوضاع الداخلية فى مصر، خصوصا فى الجانب الاقتصادى، حيث ضاعفت من الضغوط على اقتصادها المثقل بالمشكلات، وبدأنا على الفور فى دفع فاتورة هذا الصراع، المتمثلة فى زيادة أسعار البترول والقمح عالميا وتراجع دخل السياحة، ما انعكس تلقائيا على أسعار السلع الأساسية التى يستهلكها المواطنون، الذين ارتفع منسوب الأنين لديهم إلى حد الصراخ، ما دفع الحكومة إلى الالتفات والتركيز على الداخل، فى مسعى لتحقيق التوازن فى الأسعار حتى لا يفلت غضب مواطنيها من عقاله.

كذلك لم يكن الوضع فى السودان أفضل حالا من مصر.. فالخلافات القائمة بين المكون العسكرى والمدنى وصلت إلى ذروتها، بل إن هناك مخاوف حقيقية من أن تمتد تأثيراتها وانعكاساتها على وجود وتماسك الدولة السودانية نفسها، وهو ما يجعل من قضية السد غير ذات أولوية فى الوقت الراهن لجميع القوى فى دولة المصب الثانية.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الكثير من الخبراء والمختصين فى مجال المياه، يعتقدون أن إثيوبيا لن يكون فى مقدورها سوى أن تقوم بتعلية الممر الأوسط للسد، بأقل من خمسة أمتار هذا العام، وبالتالى تخزين نحو 2 مليار متر مكعب، وهى كمية قليلة لن تؤثر كثيرا على دولتى المصب.

هذه التطورات مجتمعة تفسر إلى حد كبير، سبب تراجع الاهتمام بقضية السد، لكن ما يخشاه البعض هو تحول عدم الاهتمام هذا إلى حالة دائمة من الصمت، حتى بعد أن تنتهى تلك التطورات، لكن هذا الأمر يصعب تصوره لأن القضية أكبر من تجاهلها أو نسيانها، ومن ثم فإن علينا التحرك بكل ما نمتلك من أدوات للحفاظ على حق شعبنا فى الوجود، وأن يكون خيار القوة حاضرا وبقوة على الطاولة لمنع إثيوبيا أو غيرها من تعطيش مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved