العاهل الأردنى يتحدث إلى الرئيس أوباما باسم الدول العربية

طاهر حمدي كنعان
طاهر حمدي كنعان

آخر تحديث: الأحد 19 أبريل 2009 - 9:16 ص بتوقيت القاهرة

 
يجتمع جلالة الملك عبدالله الثانى مع الرئيس أوباما فى 21 من شهر أبريل الجارى. ولكى يتمكن جلالة الملك من مخاطبة الرئيس الأمريكى بما يعبر عن موقف عربى موحد، اجتمع فى عمان يوم السبت 11 أبريل الجارى وزراء خارجية «دول الطوق» العربية «الأردن ومصر ولبنان ناقصا سوريا التى اعتذر وزير خارجيتها لظروف طارئة لا تعبر عن موقف سلبى من الاجتماع» مضافا إليهم وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية وقطر وأمين عام جامعة الدول العربية.

وأعلن أن الهدف من هذا الاجتماع هو تزويد الملك الأردنى بـ«نقاط للتحدث» إلى الرئيس الأمريكى بما ترغب الدول العربية فى رؤيته من تغيير فى السياسة الأمريكية تجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

ولقد حاولت معرفة معالم من «نقاط التحدث» التى تم التوافق على تفويض ملك الأردن بأن تكون محورا لمباحثاته مع الرئيس الأمريكى، فرشح لى ما يمكن تلخيصه بنقطتين رئيستين:

الأولى: هى القيام بشروح مقنعة للرئيس الأمريكى أن المصالح الأمريكية العليا تقضى بتفهم أكبر للقضية الفلسطينية وانحياز أقل لإسرائيل،

الثانية: هى القيام بإيضاح مبادرة السلام العربية و«تسويقها» للرئيس الأمريكى، كون الأردن أصبح لأمر ما ومن خلال تجربة سابقة، خبيرا فى موضوع التسويق هذا! وتتلخص المبادرة، كما هو معروف، بالتطبيع السلمى الكامل مع كل العرب مقابل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى المحتلة عام 1967، وتنفيذ ما أصبح يعرف بـ«حل الدولتين».

ومن الصعب الاعتراض على تلكما النقطتين عند ذلك المستوى من الإجمال والعمومية كمحورين لمباحثات ذات جدوى مع الرئيس الأمريكى. لكن ما يحيل العموميات إما إلى شياطين أو إلى ملائكة هو التفاصيل والكيفيات الدقيقة لتلك العموميات!

ففيما يتعلق بشرح المصالح الأمريكية والبرهان على أنها تقضى بتغيير السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة بما يجعلها أكثر إنصافا للحقوق العربية، لا يحتاج رئيس أكبر دولة على هذا الكوكب لأى محاور عربى أو غير عربى، مهما ارتقت لغته وبلغت فصاحته، لأن «يشرح» له المصلحة الأمريكية بما يقنعه بتغيير فى السياسات فى الاتجاه المطلوب.

حالة واحدة فقط قد تجعل الرئيس الأمريكى يبدأ بالتفكير فى التغيير المطلوب، وتلك الحالة هى أن يصاحب الشرح عبارة من قبيل: «وإذا كنا يا سيادة الرئيس أنا وأشقائى رؤساء الدول العربية مخطئين فى هذا التفسير للمصلحة الأمريكية، فإننا ولا شك مخطئون إذن فى التوهم أن هنالك تلاقيا فى المصالح بيننا، ولذلك فلسنا مضطرين إلى الوقوف معكم ضد مصلحتنا ومصالح معظم الدول فى النظام الاقتصادى العالمى».

وفى إيضاح كيف يساعد العرب الاقتصاد الأمريكى، ربما بخلاف مصالحهم، ولكن بالتأكيد بخلاف مصالح الدول الأخرى والاقتصاد العالمى، من المفيد الإشارة إلى تسليمهم المستمر «ولا نقول تواطئهم» باعتماد الدولار كعملة الاحتياط العالمية، وبالتالى اعتماده واعتماد المصارف والمؤسسات الأمريكية كوعاء لمدخراتهم واستثماراتهم، وإجبار الآخرين على الحذو حذوهم من خلال تثبيتهم أسعار النفط بالدولار بدلا من تثبيتها جزئيا أو كليا بعملات أخرى أو بسلة العملات التى تمثلها «حقوق السحب الخاصة» فى صندوق النقد الدولى.

ولقد حاول المجتمع الاقتصادى الدولى قبل عقود أن يجعل «حقوق السحب الخاصة» تلك عملة الاحتياط العالمية البديلة للدولار، لكن الامبريالية الأمريكية نجحت فى وأد هذه المحاولة قبل أن يشتد عودها. ويذكر القارئ أن إيران قبل زمن ثم الصين مؤخرا أثارتا هذا الموضوع بدون أن تهب دول أخرى لنجدتهم واستعادة حقوق الاقتصاد العالمى تجاه المديونية الأمريكية.

إن التسليم أو الاستسلام للدولار كعملة الاحتياط العالمية، والعمل بهذه المسلمة طيلة السنوات والعقود الماضية، ساهم بصورة حاسمة فى تمكين أمريكا من أن تكون فى عجز دائم فى ميزان مدفوعاتها مع سائر العالم، وبالتالى أن تكون فى حالة مديونية لا تستدعى السداد مهما بلغت جسامتها ما دامت الدول الأخرى مستعدة للاحتفاظ بالدولار «وهو مجرد ورق أو أرقام فى دفاتر البنوك» خازنا لأموالها المدخرة، فتصبح هذه الأموال بالضرورة قروضا مجانية لتمويل المديونية الأمريكية!

إن الرسالة التى يفيد إبلاغها للرئيس الأمريكى أنه حر فى تقرير طبيعة «التغيير» الذى وعد به ناخبيه. لكن القدرة على «التغيير» فى السياسات ينبغى أن لا يقتصر على السياسة الأمريكية، بل ثمة تغييرات مستحقة منذ زمن طويل فى سياسات ومواقف الدول العربية لاسيما الدول ذات الإمكانات النفطية والمالية بحيث تدرك الدول المتحالفة مع العدو الإسرائيلى أنه فى أتون الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن الدول العربية غير النفطية.

مع سائر الدول الفقيرة فى العالم الثالث، فى حاجة إلى كل دولار تنفقه هذه الدول أو تقوم بإقراضه لمنفعة أمريكا وغيرها من الدول الصناعية ذات الاقتصادات المأزومة لتحريك الطلب على صناعاتها الكاسدة. وأولى للدول العربية النفطية أن تستثمر فى بناء القدرات الاقتصادية لبلادها والبلاد العربية والفقيرة الأخرى وأن تنفق على الاستيراد مما تنتجه هذه البلدان بدل الإنفاق على الأسلحة «المنزوعة الدسم» وغيرها من الكماليات التى تنتجها أمريكا لمصلحة المجمع الصناعى العسكرى، الذى وقع أخيرا فى مصيدة الكساد بعد أن عاث فى الأرض الفساد.

أما فيما يتعلق بالمبادرة العربية لإنجاز التسوية السلمية وتحقيق ما يسمى «حل الدولتين»، فإن التحدث إلى الرئيس الأمريكى بشأنهما محادثة مجدية لابد أن ترتبط بشرط بديهى وبسيط ولكن اصحاب «المبادرة» ما برحوا يتجاهلونه.

الشرط هو القول: هذه مبادرتنا السخية كونها تتنازل سلفا عن كل الأرض ومعظم الحقوق التى اغتصبها العدو قبل 1967. فإذا كانت غير مقبولة فإننا سنضطر آسفين إلى العودة إلى لاءات الخرطوم وإحياء المقاطعة الاقتصادية وغيرها من أشكال الاحتواء والحصار الاقتصادى على الكيان الصهيونى وعلى كل الدول والمصالح التى تسانده. فعدونا ليس أقل جدارة بالمقاطعة من أعداء أمريكا فى كوبا وإيران. وإذا صح جدلا أن المقاطعة الاقتصادية كانت محدودة الجدوى فى الماضى، وهو بالتأكيد غير صحيح، فإنها لابد بالغة الجدوى فى ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية فى معظم العالم.

المنطق الفعال هو: «هذه مبادرتنا معروضة لكى تقبل وإلاّ.....». أما منطق: «هذه مبادرتنا والسلام! كون السلام هو خيارنا الاستراتيجى!» فإنها لا تعدو كونها عرضا عبثيا سبق أن أرجعناه إلى حكمة المتنبى: « كل حلم أتى بغير اقتدار، حجة لاجئ إليه اللئام».

الأكثر جدوى هو أن يدرك الرئيس الأمريكى، بنتيجة هذا الاجتماع وبأوضح صورة ممكنة، عبثية ما يسمى «العملية السلمية» التى افتقرت باستمرار وحتى الآن إلى الجدية فى التعامل مع الحقوق الوطنية الفلسطينية واحترام القرارات الدولية بشأنها، بل على العكس كانت تمرينا مستمرا فى إضاعة الوقت وأدت إلى تآكل الإدراك الدولى لأساسيات القضية الفلسطينية، ومكّنت إسرائيل أن تستديم الاحتلال بترسيخ الحقائق على الأرض من توسيع للاستيطان وتهويد للقدس ومصادرة للأراضى الفلسطينية لبناء الجدار العازل عليها.

ما زرع اليقين لدى عموم الفلسطينيين والعرب أن هدف الولايات المتحدة وإسرائيل هو التطويع التدريجى للفلسطينيين والعرب لقبول إملاءاتهما من خلال المحافظة على مجرد «سيرورة» العملية السلمية العارية عن أى جدية فى الوصول إلى تسوية سلمية محقة للحقوق الفلسطينية.

إن مخاطبة الرئيس الأمريكى بما يستديم الميوعة فى قضايانا المصيرية يشكل إمعانا فى التورط فى تلك «السيرورة» العبثية وإتاحة فسحة زمنية بعد أخرى لتمكين اسرائيل من تبديد مقومات الوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة. وفصل الخطاب بسيط غاية البساطة: «يا سيادة الرئيس، لقد جئناك بـ«خارطة طريق» جديدة! لكنها لحسن الحظ تتألف من خطوة واحدة ليس غير: أن تعلن إسرائيل أنها دولة قائمة بالاحتلال، وأن كامل الأرض الفلسطينية ما برحت أرضا محتلة يتعين على الدولة القائمة بالاحتلال أن تدير أمور المواطنين فيها بتطبيق أمين لاتفاقية جنيف الرابعة.

وأن تهدم كل مستوطنة وبناء وتلغى كل قرار وإجراء غير من طبيعة الأرض أو حقوق سكانها الأصليين، لاسيما ضم القدس والجولان وبناء الجدار العازل فى الأرض المحتلة واستيطان رعايا إسرائيل فى هذه الأرض.»

مقابل هذا الإعلان وتنفيذ مقتضياته بضمان الولايات المتحدة، فإن الدول العربية تتعهد بإغلاق الباب على الحلول السلمية لجيل قادم على الأقل، لعل الأجيال المقبلة من اليهود تقتنع بما سبق واقتنع به الفلسطينيون: بأن السلام الذى تقبل به الأجيال وتصونه هو سلام الدولة الديمقراطية العلمانية وغير العنصرية يستظل بها جميع مواطنيها بمساواة كاملة بينهم فى الحقوق والواجبات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved