حاجتنا لنظام سياسى يواكب العصر

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 18 أبريل 2016 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

لا يشكك أحد فى خطورة التحديات التى تواجهنا كشعب ودولة فى الوقت الحاضر. اقتصادنا منهك بمديونية داخلية وخارجية ثقيلة، وبعجز هائل فى ميزان المدفوعات، حيث لا نصدر سوى ما يعادل أقل من ربع وارداتنا بينما تتقلص حصيلتنا من العملات الأجنبية من صادراتنا غير المنظورة من عوائد قناة السويس وتحويلات العاملين المصريين بالخارج ومن السياحة، كما لا تكفى استثماراتنا المحلية الخاصة والعامة ولا تدفقات الاستثمارات الخارجية فى توفير ما يكفى من استثمار لدفع معدل النمو بما يكفى للتخفيف من حدة الفقر أو خلق فرص عمل منتج وكريم لملايين المصريين الذين يعانون من البطالة المقنعة فيما اصبح يعرف بالاقتصاد غير النظامى.

وإذا ما نظرنا إلى أوضاعنا السياسية الداخلية فحجم التحدى أكبر. مجلس نوابنا لا يجد اهتماما لا من أعضائه الذين يتغيبون عن أهم مناقشاته فيصعب توافر النصاب القانونى لصحتها، ولا من المواطنين الذين لم يشأ ثلاثة أرباعهم تقريبا عن المشاركة فى انتخاباته، وأوضاع حقوق الإنسان لدينا صارت موضع استنكار فى العديد من المحافل العالمية وفى المنظمات المعروفة بمصداقيتها فى متابعة أوضاع هذه الحقوق. وليست سياستنا الخارجية أفضل حالا. تمضى إثيوبيا فى بناء سد النهضة ونحن نتذرع بانتظار أن تجود علينا العناية الإلهية بما يبقى على تدفقات نهر النيل فى الحدود التى تضمن توفير حاجاتنا المتزايدة من المياه للشرب وللزراعة والصناعة والخدمات، وعلى الرغم من ادعائنا بأننا دولة محورية فى الشرق الأوسط، فنحن لا نتحدث لا إلى إيران ولا لتركيا، وهما دولتان أكثر تأثيرا منا فى هذا المحيط الإقليمى، صحيح نحن نتحدث لإسرائيل، ولكننا لا نخاطبها بشأن أوضاع الفلسطينيين الذين ندعى أنهم فى قلب اهتمامات سياستنا الخارجية، ثم تكتمت حكومتنا على استعدادها لتسليم جزيرتى صنافير وتيران للمملكة العربية السعودية فى توقيت يكشف ليس عن توافق مصرى سعودى بقدر ما يكشف عن صعود المملكة فى سلم المكانة والنفوذ فى الوطن العربى وتراجع مكانة مصر.

طبعا مواجهة هذه التحديات ليس أمرا سهلا، وهناك ثمن يتعين دفعه للنجاح فى الخروج من كل هذه الأزمات، ولكنه مما لا يدع مجالا لأى شك فإن الشرط الأساسى لمثل هذا النجاح هو أن يكون هناك عقل سياسى جامع يستند إلى مشاركة شعبية واسعة فى النقاش حول قضايا الوطن، ويطرح كل البدائل المحتملة لمواجهة هذه الأزمات، ويشحذ حماس المواطنين ويعبئ جهودهم للخروج منها. هذا العقل السياسى الجامع لا يمكن أن يتوافر دون نظام سياسى يواكب العصر، ليس مجرد تطلع للعصرية، ولكن لأنه بدون مثل هذا النظام السياسى فلن نجنى سوى تعقد أزماتنا، وانتقالنا من مأزق داخلى أو خارجى لنقع فى مأزق أشد منه خطرا.

***

وسترون أعزائى القراء أنه لو كان لدينا مثل هذا النظام لما وقعنا فى أزمات لا نجد لها حلا؛ مثل مقتل وتعذيب الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، وتعثر ملف سد النهضة، وعدم تجاوب قطاعات واسعة من الرأى العام المصرى مع سعى الحكومة لإعادة جزيرتى صنافير وتيران للسيادة السعودية. فما هى سمات هذا النظام السياسى العصرى؟ وكيف يمكن له أن ينقذنا من الورطات التى أوقعتنا فيها طريقة صنع القرار فى مصر فيما بعد يونيو 2013. وقبل طرح هذه السمات دعوكم من القول بأن لنا ظروفنا الخاصة، ونحن نسيج فريد فى تاريخ الأمم، وأننا لا نستورد حلولا من خارج ديارنا، فطالما أن أسلوب نظام الحكم لدينا فى صنع القرار هو الذى يكاد يودى بنا إلى التهلكة، فلا مفر سوى أن ننظر فى تجارب الآخرين، وأن نتجاوب مع العصر، لا أن نرفض قيمه السائدة وممارساته الناجحة طالما أنه ليس لدينا البديل.

أول هذه السمات هو حكم القانون، أى إلتزام الحكام والمحكومين بالقواعد القانونية العامة والمجردة والتى شرعت تحقيقا لمصلحة عامة وليس إستجابة لمصالح خاصة لفرد أو جماعة أو إحدى المؤسسات. هذه القواعد نجدها فى الدستور «أبى القوانين»، ونجدها فى التشريعات المستقرة التى وضعها كبار فقهائنا. هل احترمنا الدستور بالمضى فى إقامة ما يسمى بالعاصمة الإدارية دون نقاش عام وعلى الرغم من نصه الصريح على أن القاهرة هى عاصمة البلاد، وهل كان إصدار رئيس الجمهورية قانونا يتيح له عزل رؤساء الأجهزة الرقابية متوافقا مع روح نص الدستور فى هذه المسألة؟ هل تنوى حكومتنا إخضاع اتفاقها مع السعودية على إعادة الجزيرتين لنقاش واسع فى مجلس النواب ثم طرح المسألة فى استفتاء شعبى كما يقضى بذلك الدستور، أم ستحاول الحكومة تجنيد من يتوافق هواهم مع هواها إما لتأجيل مناقشة المسألة أو الاكتفاء بطرحها فى مجلس النواب، أملا فى أن تجد من النواب استجابة تماثل ما فعلوه عندما وافقوا فى ساعات على أكثر من ثلاثمائة قانون صدر فى غياب المجلس.

وثانى هذه السمات هى احترام حقوق المواطنين فى مناقشة الشأن العام، وهى بالمناسبة نص دستورى، وقاعدة من قواعد اتفاقات حقوق الإنسان التى صدقت عليها الحكومة المصرية. هذه القاعدة الأساسية لم تخترعها دساتير معظم الدول ولا مواثيق حقوق الإنسان كمجرد استجابة لفضول المواطنين الزائد ورغبتهم فى الثرثرة فيما لا يعنيهم، ولكن لسبب أساسى يفوت على من يملكون السلطة أن يدركوه وهو أن وجودهم فى مناصبهم يعود إلى إرادة الشعب الذى انتخبهم، وأن الموارد التى يتحكمون فى إنفاقها هى من الضرائب التى جمعوها من هذا الشعب أو من مشروعات عامة هى ملك هذا الشعب، فضلا على أنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأنهم يحتكرون المعرفة أو الخبرة فى إدارة شئون البلاد وأن الخطأ لا يأتيهم لا من ورائهم ولا من خلفهم. لم ينكر هذا الحق على المواطنين الأمريكيين باراك أوباما الخريج المتفوق لكلية الحقوق فى جامعة هارفارد، ولا دافيد كاميرون خريج جامعة أكسفورد ولا فرانسوا هولاند الذى جمع فى تعليمه بين أرقى المؤسسات التعليمية فى بلده من المدرسة العليا للدراسات التجارية إلى معهد العلوم السياسية إلى معمل تفريخ النخبة الحاكمة فى فرنسا والمدرسة القومية للإدارة. كل هؤلاء على الرغم من تعليمهم الراقى وخبرتهم السياسية الواسعة فى الأحزاب السياسية وفى المؤسسات النيابية وفى المجتمع المدنى لم يطلبوا من مواطنيهم السكوت عن مناقشة القضايا العامة، ولم يبخلوا على مواطنيهم بشرح الأسباب التى دعتهم إلى انتهاج ما اتبعوا من سياسات.

طبعا حرية المواطنين فى مناقشة الشأن العام لا تتأتى إلا من خلال وجود إعلام حر بكل وسائله من صحافة وتليفزيون وإذاعة لا يهيمن عليها رأى واحد ولا يسودها من يهللون فقط لسياسات الحكومة، كما يأتى فى مقدمة وسائل التعبير عن الرأى أدوات التواصل الاجتماعى من فيس بوك وتويتر ورسائل نصية، والتى دفعت أهميتها كبرى قنوات التليفزيون العالمية أن تفرد لها وقتا فى نشراتها الإخبارية تتابع فيه أهم تعليقاتها على الأحداث الجارية مثلما نشهد فى قنوات هيئة الإذاعة البريطانية، والقنوات الفرنسية الدولية.

***

وثالث هذه السمات هو وجود الأحزاب السياسية التى تعبر عن مصالح المواطنين المتباينة وتسعى لترجمة هذه المصالح فى صورة سياسات تعتزم تطبيقها عندما تصل إلى السلطة أو بتأثيرها على الحكومات القائمة باجتذابها لها. ولذلك تعزز النظم الانتخابية من فرص وصول هذه الأحزاب إلى مقاعد السلطة التشريعية وتكوينها للحكومات. والأمر المألوف لمن يريد المشاركة فى العمل السياسى هو الانضمام إلى حزب من الأحزاب، ولا نجد فى المجالس النيابية فى بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو الهند أو شيلى أو الولايات المتحدة من يقولون إنهم مستقلون عن الأحزاب، فالعمل السياسى عمل جماعى، ولا يستطيع أى فرد مهما كانت عبقريته أن يحول أفكاره إلى سياسات عامة إلا بالتعاون مع آخرين فى إطار مؤسسة حزبية ومن خلال العمل البرلمانى فى الدول ذات النظم الديمقراطية. بل إنه مما يسهل عمل الحكومة أن تكون نابعة من حزب من الأحزاب له ثقله البرلمانى، ومن ثم تعرف مقدار نجاحها فى إقرار سياساتها بناء على مدى الأغلبية التى يتمتع بها هذا الحزب وسط البرلمان وقدرته على حشد التأييد لسياساتها داخله وخارجه. قارنوا ذلك بالخطاب المعادى للأحزاب فى بعض إعلامنا، وفى الجهود التى بذلها مستشارو الحكومة ومنهم رئيس مجلس النواب فى إضعاف فرص الأحزاب فى كسب الانتخابات من خلال قانون الانتخابات الذى اعترضت عليه معظم الأحزاب السياسية.

أضف إلى هذه السمات ضرورة مساءلة السلطة الحاكمة وتداول المناصب العليا فى الدولة فى انتخابات نزيهة واحترام الحكومات للرأى العام وتواصلها معه، وغيرها من السمات التى لم يسمح الحيز المحدود لهذا المقال بتناولها جميعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved