مخبرون فى ذمة التاريخ

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: السبت 18 أبريل 2020 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

فى منتصف سبعينيات القرن الماضى ومع انقلاب الرئيس أنور السادات على توجهات سلفه جمال عبدالناصر، علت موجة هجوم على عدد من الكتاب والصحفيين الذين يخالفون السلطة ويتخذون مواقف حادة من السادات وتوجهاته الجديدة.
ركزت إحدى تلك الحملات على الأستاذين أحمد بهاء الدين رئيس تحرير الأهرام ومصطفى بهجت بدوى رئيس تحرير الجمهورية، وخرجت أصوات تطالب بعزلهما من منصبيهما باعتبارهما شيوعيين، ثم اتسعت لتشمل عددا كبيرا من الكتاب والصحفيين وأصحاب الرأى فى «دار التحرير».
تبلورت الحملة بصدور سلسلة منشورات تهاجم من اسمتهم بـ«التنظيم الشيوعى فى جريدة الجمهورية» وتم تذييل تلك المنشورات بتوقيع «الصحفيين الوطنيين بدار التحرير»، زعم أصحابها أن أعضاء التنظيم «الشيوعى» يتقاضون رواتب ثابتة من سفارات دول شيوعية ويحرِّضون على الدولة المصرية ورموزها ويستهدفون استقرارها وأمنها.
ركزت المنشورات الهجوم على مصطفى بدوى باعتباره زعيما خطيرا للتنظيم الشيوعى الذى يعمل فى «الجمهورية»، ثم طالت عددا من كتاب الجريدة من مختلف فصائل اليسار وهم: محمد عودة وكامل زهيرى وحسين عبدالرازق وعبدالعزيز عبدالله وفتحى عبدالفتاح ومصطفى كمال وعبدالحميد عبدالنبى وعبدالعال الباقورى ومحمد العزبى ومحمد أبوالحديد وصلاح عيسى، والأخير أورد قصة منشورات «الصحفيون الوطنيون» فى كتابه «هوامش المقريزى».
يرى عيسى أن تلك المنشورات كانت تطبع تحت حماية جهة ما تستطيع أن تمنح حمايتها لمن يمارسون عملا يعاقب عليه القانون المصرى، «خاصة أن تلك المنشورات بدأت تتجه إلى عمال الطباعة فى دار التحرير التى تصدر عنها جريدة الجمهورية، زاعمة أنهم لا يتقاضون حقوقهم الاقتصادية لأن ميزانية الدار منتهبة فى شكل مرتبات مرتفعة، تُمنح إلى الكتاب الشيوعيين الذين تتسبب كتاباتهم فى تدهور توزيع الجريدة وتكبدها خسائر فادحة لأنهم ليسوا صحفيين ولا يعرفون كيف يجذبون القارئ».
ويقول عيسى: مع أن هذه المنشورات كانت تتجه لتحريض مباشر على التمرد فإن الصحفيين اليمينيين الذين كانوا يصدرونها ويوزعونها استمروا فى ذلك وهو ما بدا غريبا أن يصدر عن عناصر افتقدت طوال عمرها أى شجاعة حقيقية ولم تقم يوما بعمل مخالف للقانون مهما كان بسيطا، الأمر الذى أكد بلا جدال أنهم يحتمون من هجير القانون بسحابات شتاء فى حر أغسطس.
واتهم منشور «الصحفيون الوطنيون» كلا من صلاح عيسى ومصطفى بهجت بنشر سلسلة مقالات تنال من عدد كبير من الوزراء وكبار المسئولين والكتاب الوطنيين فى مصر. وزعم المنشور أن «المجموعة الشيوعية» تتلقى مرتبات شهرية.
وختم «الصحفيون الوطنيون» منشورهم بتحريض الدولة وأجهزتها على «المجموعة الشيوعية» التى تعادى النظام وتتأمر عليه «نثق فى يقظة القيادة المصرية ونؤمن بأنها لن تسمح باستمرار تلك المهازل».
وأشار عيسى إلى أن مضمون منشورات «الصحفيون الوطنيون» بدأ يظهر فى عدد من مقالات صحف دار الهلال ودار أخبار اليوم.
وحسب عيسى، نزلت الحملة إلى درجة أصبحت فيها المنشورات تستعدى السلطة علنًا، مطالبة بشنق الصحفيين والمثقفين اليساريين.
خلال الأزمة المتصاعدة بين نظام السادات وعدد من الصحفيين الذى رفضوا الدخول فى حظيرة السلطة الجديدة سواء بالإغواء أو التهديد، ونتيجة لاستخدام عدد من أصحاب الرأى حقهم الدستورى فى نقد توجهات تلك السلطة، ضاق صدر الرئيس السادات وأصدر قراره بإسقاط عضوية عدد كبير من الصحفيين من الاتحاد الاشتراكى، وهو ما تبعه فصلهم من عملهم فى المؤسسات الصحفية، فقانون نقابة الصحفيين وقتها كان يشترط أن يكون الصحفى عضوا بالاتحاد الاشتراكى.
وعلى خلفية قرار الفصل التقى الأستاذ أحمد بهاء الدين بنائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ممدوح سالم حينها ليقنعه بأن التقارير التى تتلقاها أجهزة الأمن ليست دقيقة وتتضمن مبالغات وبعضها مبنى على ضغائن شخصية، فاعترف سالم لبهاء: «إن كل التقارير التى تتلقاها الأجهزة ضد صحفيين إنما يكتبها صحفيون منكم».. فرد بهاء قائلا: «هذا طبيعى، فأدق التقارير عن الطلبة لابد أن يكتبها طلبة، وهكذا فى كل مجال، ونحن نعرف الصحفيين الذين يحترفون كتابة التقارير السرية لأجهزة الأمن ضد زملائهم، ولكنكم لو تحريتم عنهم قبل أن تأخذوا بكلامهم لعرفتم أنهم من أردأ نوعيات الصحفيين الفاشلين المملوءة قلوبهم بالضغينة ضد كل صحفى ناجح».
فعقب الوزير قائلا: «نحن نعرف ذلك ولكن هل تتوقع من صحفى مستقيم حسن الخلق ابن ناس وناجح فى عمله أن يكتب تقارير للمباحث نظير أجر؟»، وأردف: «هات لى عشرة من هؤلاء ولو كانوا خريجى أوكسفورد يرضون أن يكتبوا تقارير للمباحث وسوف تستغنى المباحث فورا عن النوعية التى تكتب التقارير الآن»، وضحك الاثنان.
الشاهد، أن فى كل عصر يوجد في أهل المهنة من لا يعرف للصحافة أخلاقا أو قواعد، ولا إلى الضمير المهنى طريقا، اختلفت مسمياتهم لكن مهمتهم ظلت واحدة «الطعن والتحريض والتشهير بكل صاحب رأى او موقف مخالف»، وكما سيسجل التاريخ لأصحاب الرأى مواقفهم، سيسجل لهؤلاء العسس والمخبرين خِسَّتهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved