الذكاء الاصطناعى أم إنترنت كل شىء.. هل من خيار؟

محمد سالم
محمد سالم

آخر تحديث: الثلاثاء 18 مايو 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

فى مطلع عام 1999 أعلن العالم البريطانى كيفين أشتون عن اكتشافه لمفهوم جديد يستفيد من إمكانيات شبكة الإنترنت، وهو إنترنت الأشياء «Internet of Things»، هذا المفهوم اقتنع به الكثيرون واستخدمه العديد من الشركات، إلا أنه لم يزدهر إلا فى السنوات القليلة الماضية مع تحسن البنية التحتية للاتصالات واعتماد تقنيات الجيل الخامس. وما تفعله إنترنت الأشياء ببساطة هو: ربط مجموعة من الأشياء بعضها ببعض، و«الشىء» هنا يعنى جهازا يتم التعرف عليه من خلال شريحة حواسبية مدمجة داخله، وتسمح إنترنت الأشياء بأن يتم استشعار «الأشياء» و/أو التحكم فيها عن بُعد، عبر شبكة الإنترنت.
إذن، ما فعله السيد أشتون هو أنه استخدم البنية التحتية للاتصالات لربط الآلات بعضها البعض بعد أن حَوَلها إلى «أشياء» وأصبح ــ بدون أن نشعر ــ لدينا «أشياء» فى منزلنا، فالتليفون المحمول «شىء»، والتليفزيونات الذكية «شىء»، والطابعة اللاسلكية شىء آخر. هذه الأشياء تزداد كل يوم بالملايين حتى إنه يتوقع لها أن تصل إلى 50 بليون شيئا بنهاية عام 2025. ثم جاء الثنائى مارك زوكربرج رئيس فيس بوك ــ ممثلا لمنصات التواصل الاجتماعى ــ وستيف جوبز ــ أيقونة التليفونات المحمولة ــ ليربطا البشر بعضهم البعض وليكملا الدائرة على النحو التالى: بنية تحتية، وربط الآلات بعضها البعض، وربط الإنسان بغيره من البشر وبالآلات.
على الجانب الآخر، وفى نفس التوقيت تقريبا، ظهر لاعب جديد على الساحة ألا وهو الذكاء الاصطناعى، بعد أن أعيدت له الحياة مرة أخرى مدعوما بتقنيات الجيل الخامس للاتصالات والحوسبة العملاقة.
***
ورضى العالم بقَدَره وظل ساكنا يشاهد الآلة وهى تجور عليه، فبعد أن كان الإنسان منذ ثلاث سنوات يقوم بأكثر من 70% من الأعمال والآلة تنفذ النسبة الباقية، فإن من المتوقع بعد أربع سنوات فقط من الآن أن تُنفذ الآلة أكثر من 50% من الأعمال، ويعلم الله وحده متى سوف تقوم الآلة بكل شىء وتترك الإنسان بلا عمل، وهنا لابد أن أستدعى ما قاله عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج فى ديسمبر 2014: «يمكن أن يؤدى تطوير الذكاء الاصطناعى الكامل إلى نهاية الجنس البشرى. سوف تنطلق الآلات منفردة، وتعيد تصميم نفسها بمعدل متزايد باستمرار، أما البشر محدودو القدرات بسبب تطورهم البيولوجى البطىء فإنهم لن يستطيعوا المنافسة، وسيتم تجاوزهم». وهذا ما يُطْلَق عليه ظاهرة «التفرد أو Singularity» وذلك عندما تستغنى الآلة بصفة نهائية عن الإنسان الذى صنعها وعلمها ودربها، ثم يتجاوز ذكاؤها الذكاء البشرى. كما أن هذا بالضبط هو السبب وراء أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذى يعتبر من أكبر جامعات العالم وأفضلها فى الهندسة، قرر أن يُنشىء فى أكتوبر 2018 كلية متخصصة فى الذكاء الاصطناعى بميزانية بلغت بليون دولار ليس لتعليم مبادئ ومفاهيم وعلوم الذكاء الاصطناعى فقط، ولكن كذلك لمواجهة الآثار الاجتماعية والأخلاقية السلبية لهذا الذكاء.
لقد أصبح البشر رهينة للعولمة، ولا أحد خارج هذه المنظومة، من يسافر الآن بدون استخدام تطبيق حجز تذاكر الطيران العالمى؟ ومن لا يستخدم تطبيق جوجل درايف عندما يقود سيارته؟ وعندما يريد قضاء إجازته فى أحد المنتجعات السياحية فليس أسهل عليه ولا أرخص من استخدام تطبيق بوكينج أو تريفاجو. إن من فهم هذه العولمة وتماشى معها أصبح أغنى رجل فى العالم، أتكلم هنا عن جيف بيزوس صاحب شركة أمازون، ومن لم يستوعب هذا الدرس لقى جزاءه، مثل شركة توماس كوك الإنجليزية وقبلها شركة كوداك الأمريكية اللتين أعلنتا إفلاسهما لعدم استيعابهما ما حدث ويحدث فى العالم اليوم.
لقد صار الأبطال هم صانعو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك اعتبارا من جون ماكارثى أول من صاغ وصك مصطلح الذكاء الاصطناعى عام 1956، مرورا بالأب الروحى للإنترنت فينت سيرف عام 1970 والعبقرى الراحل ستيف جوبز وكيفن أشتون، وصولا إلى النجوم الحاليين من أمثال مارك زوكربرج وإيلون ماسك صاحب شركتى تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس إكس لأبحاث الفضاء. هؤلاء المشاهير اقتنصوا ثروات العالم، فمن بين أغنى عشرة أشخاص على وجه الأرض يوجد 7 يعملون فى مجال تكنولوجيا المعلومات. والتى أصبحت هى أكبر مصنع فى العالم، فمنتجاتها تتعدى الخمسة تريليونات دولارا، وبسبب أجهزة المحمول التى فاق عددها عدد سكان الأرض، أصبحت هذه الشركات أيضا هى أكبر مستودع للمعلومات، فمن يملك المعلومات يملك العالم. ولكن هل اقتنع هؤلاء بما حققوه؟ الإجابة هى لا، فهم يريدون كل شىء، يريدونك دائما معهم «أون لاين» متصفحا ومتحدثا ومراقبا ومُحللا وموجَها، ثم بعد ذلك يسهل عليهم التحكم فى حياتك.
***
ثم داهمنا الكوفيد ــ عن عمد أو دون عمد ــ وفى الوقت الذى انشغل فيه العالم بالبحث عن إجابات لأسئلة مثل: ما هو أفضل لقاح للكورونا؟ وما هى نسبة الحماية التى سوف توفرها له؟ وإلى مدى يستمر تأثير اللقاح؟ تسارعت وتيرة التغيير، فبزغت نجوم جديدة فى سماء تكنولوجيا المعلومات مثل إيريك يون مخترع تطبيق الزووم، وتبدلت قواعد العمل، ففى منتصف مايو 2020 أبلغت شركة تويتر موظفيها بأنه يمكنهم العمل من المنزل «إلى الأبد» إذا ما رغبوا فى ذلك، بعدها بأسبوع واحد أعلن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى لشركة فيس بوك، أن ما يصل إلى نصف القوى العاملة فى الشركة وإجماليها 45000 شخصا يمكن لهم العمل بالكامل خارج مكاتب الشركة فى السنوات العشر القادمة.
أما الأخطر فهو ما حدث أثناء هذه الأزمة عندما اُتهم بيل جيتس مؤسس شركة ميكروسوفت عملاق التكنولوجيا بأن تبرعه بـ150 مليون دولارا لأبحاث لقاح الكورونا ما هو إلا واجهة طيبة لغرض شرير وهو حقن شريحة إلكترونية مع اللقاح فى جسم الإنسان لتكون له هوية رقمية تجمع معلوماته وترصد تحركاته. ولكن فى النهاية لم تَثبُت صحة هذه الادعاءات.
إيلون ماسك من جانبه كانت له خطة أخرى، فبدأ أولا بتحذير العالم من أن البشر يواجهون خطر تجاوز الذكاء الاصطناعى، وقال فى مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز فى يوليو من العام الماضى إن الاتجاهات الحالية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يتفوق على البشر بحلول عام 2025، وإن البشر يخاطرون بأن يعامَلوا مثل الحيوانات الأليفة المنزلية عن طريق الذكاء الاصطناعى ما لم يتم تطوير التكنولوجيا التى يمكنها توصيل العقول بأجهزة الكمبيوتر. هكذا أرعب إيلون ماسك العالم، ثم جاء بعد شهر واحد ليطمئنه ويعلمه أنه وضع شريحة إلكترونية فى رأس خنزير من خنازير التجارب فى شركته للأبحاث الحيوية وقال «إن السبب فى ذلك هو مراقبة تصرفات وأفعال الخنزير». وأضاف قائلا للصحفيين «إن الشركة تستعد لأول عملية زرع بشرى قريبا، نحن فى انتظار الموافقات المطلوبة والمزيد من اختبارات السلامة». وكانت هذه هى أول مرة يعلن فيها عن خططه الطموحة، ثم بعد وقت قصير من الإدلاء بهذه التصريحات، أعلن ماسك عن بدء تشغيل مشروع نيورالينك «Neuralink» الذى يحاول زرع شريحة دماغية لإنشاء واجهة عمل تربط بين مخ الإنسان والكمبيوتر، وأردف قائلا «وبذلك سيستطيع البشر التنافس مع الذكاء الاصطناعى»!!. ولم يكن السيد ماسك فى حاجة إلى هذا التبرير، فالحقيقة التى تتضح كل يوم هى: أن التحكم فى الإنسان آت لا محالة، وسوف يتم هذا التحكم برغبتنا وبموافقتنا بل ونحن أيضا سعداء.
ولاستكمال إحكام الدائرة، كان لابد من توفر البيئة المناسبة لاستيعاب «النظام الجديد»، ولم يبحث العالم كثيرا، ووجد ضالته فى المصطلح الجديد الذى صاغته شركة سيسكو الأمريكية عام 2013 وهو ما أسميه إنترنت كل شىء «Internet of Everything» الذى يتجاوز مفهوم إنترنت الأشياء. بعبارات بسيطة، إن إنترنت كل شىء هو الربط بين الأشخاص والأشياء والبيانات والعمليات مجتمعة فى نظام مشترك. وواضح أن الجديد هنا هو دخول الجنس البشرى فى هذه الشبكة بعد تحويله إلى «شىء» ليكون جزءا من شبكة أوسع تتحكم فى كل شىء بما فى ذلك الإنسان.
وأخيرا، فإننا إذا نظرنا إلى ما يحدث فى العالم اليوم وإلى ما هو متوقع حدوثه فى المستقبل القريب، سنجد أن الذكاء الاصطناعى سيخضع لمزيد من التطوير، وسوف تتسابق الدول فى مجال هذا التطوير خصوصا فى الأغراض العسكرية، والخوف كل الخوف من أن تؤدى الرغبة فى الفوز بالسباق لخروج الآلة عن السيطرة البشرية وتصل إلى حالة التفرد، ووقتها سوف نعيش عصر الآلة كما نشاهده فى أفلام الخيال العلمى.
على الجانب الآخر، فأمثال السيد ماسك كثيرون وسوف تتسارع أبحاثهم لتتم السيطرة الكاملة على الإنسان ويسود مفهوم «إنترنت كل شىء»، ويتم تحويل كل كائن حى يعيش على سطح هذا الكوكب بما فى ذلك الإنسان إلى هوية رقمية داخل منظومة ترصد أفعاله ومشاعره وتملى عليه أسلوب حياته وتصرفاته.
إذن، لمن ستكون الغلبة؟ أهى للذكاء الاصطناعى الذى سوف يستعبد الإنسان، أم ستكون الغلبة لأقطاب تكنولوجيا المعلومات الذين سوف يحولونه إلى مجرد آلة فى دائرتهم الجهنمية؟ وهل هناك فعلا من خيار؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved