تمگين الريف

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 18 يونيو 2014 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

منذ يومين استضافت مدينة «فولوس» اليونانية حوارا بين دول جنوب وشمال البحر المتوسط حول الزراعة، الموارد، التمكين، قدمت خلاله تجارب مهمة متنوعة. أكثر ما لفت انتباهى الاهتمام الشديد بالشباب، وأهمية بناء قدراتهم، وتمكينهم من العمل فى مجال الزراعة، وتوفير سبل العيش بالنسبة لهم فى المجتمعات الريفية بدلا من الهجرة إلى المدن.

المسألة معقدة، وبها كثير من الجوانب المتداخلة.

الزراعة فى حد ذاتها تحتاج إلى صناعة وتجارة ترافقها، الأمر الذى يتطلب نماذج جديدة من التفاعل بين مجالات الاقتصاد المتنوعة، ليس هذا فحسب بل إن المجتمعات الريفية دخلت على خط السياحة بما توفره فى بعض البلدان من إقامة هادئة، ومناظر خلابة، وحياة تجتذب العديد من السائحين. يبدو أننا لا نفكر فى ذلك، الزراعة منفصلة عن السياحة، الزراعة محاصيل، أما السياحة فهى بالنسبة لنا شواطئ وآثار.

أزمة تصويت الوافدين، ثم مشكلة الباعة الجائلين ليست بعيدة عن الجدل.

الشباب الذى يترك المجتمعات الريفية إلى المدينة، وبالذات القاهرة والإسكندرية، هم فائض سكانى فى هذه المجتمعات، يتركها بحثا عن لقمة العيش. كثير منهم يعمل فى الاقتصاد غير الرسمى، وهو ما يجعل منهم باعة متجولين يعيشون فى أحزمة التهميش والفقر التى تحيط بالمدينة. وبعضهم بالمناسبة يعود فى موسم الحصاد إلى الريف بحثا عن عمل، ويتركون مؤقتا عملهم خاصة فى مهنة البناء والتشييد.

الأصوب تنمويا أن تبقى قوة العمل فى الريف تعمل فى الزراعة أو ما يرتبط بها من صناعة أو تجارة. لكن للأسف النظام التعليمى لا يوفر لهم معارف تساعدهم على ذلك، والتدريب الذى ينبغى أن يحلصوا عليه محدود إن وجد. البديل أمام الشباب هو إما الهجرة داخليا من الريف إلى المدينة أو الهجرة خارجيا، وكثير منها يأخذ شكلا غير شرعى نتيجة انسداد منافذ الدول شمال البحر المتوسط أمام استقبال تدفقات بشرية بعضها يصل به العمر إلى ثلاثة عشرة عاما أى أنه لا يزال فى سن الطفولة، ومن يستطيع التسلل إلى هذه الدول يعمل بدون غطاء تأمينى، ونادرا ما يحصل على حقوق العمل كاملة.

هذه القضية ترتبط بالديمقراطية واللا مركزية. هؤلاء الشباب يحتاجون إلى أطر محلية تساعدهم على المشاركة فى صناعة القرار، كما يحتاجون إلى فرص للعمل فى مجالات متنوعة، مما يوفر لديهم الحافز فى البقاء. وبالتالى سوف تظل هذه المشكلة قائمة طالما ظلت البيئة الريفية طاردة، غير قادرة على استيعاب هؤلاء الشباب، وتوفير فرص العمل المناسب لهم.

الإشكالية ليست مصرية فقط، لكنها قائمة فى دول الاتحاد الأوروبى بمزاق مختلف. فقط 6% ممن يعملون بالزراعة تحت سن الأربعين، مما يعنى أن الشباب يفضل الحياة بالمدن، بحثا عن عمل ورفاهية، فى حين أن الشباب المصرى يذهب إلى المدن، فائضا وليس خصما من القوة البشرية، بحثا عن فرصة عمل.

المطلوب ابتكار، وتدريب، وتمكين للشباب حتى يعيش فى مجتمعه الذى نشأ فيه، ولا يضطر للفرار منه. هذه القضية لا تخص وزارة الزارعة فقط بل تشترك فيها وزارات عدة مثل التنمية المحلية، والشباب، الاستثمار، والتضامن الاجتماعى، وغيرها

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved