استشراق يهودى.. ما دور الإسلام فى نشأة الهوية اليهودية؟

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

فى كتابها التخصصى «الإسلام اليهودى» تسأل الباحثة الألمانية المختصة بالدراسات اليهودية سوزانا هيشل عن دور الإسلام فى تبلور هوية يهودية وتشيد بإرث باحثين يهود ألمان مختصين بالدراسات الإسلامية فى القرنين الـ19 والـ20.

كتب المستشرق إغناتس غولدتسيهر بعد زيارته صلاة الجمعة بأحد مساجد القاهرة فى دفتر مذكراته: «فى وسط آلاف من المصلين، كنتُ أفرك جبهتى على أرضية المسجد. لم أكن بتاتًا فى حياتى خاشعًا أثناء الصلاة وصادقًا فى خشوعى مثلما كنت فى هذه الجمعة العظيمة».

يعتبر غولدتسيهر بالنسبة للكاتبة سوزانا هيشل أكثر من أهم الباحثين الأوروبيين المختصين فى الإسلام. فهو يقف فى صف واحد مع غيره من علماء القرنين التاسع عشر والعشرين اليهود الألمان الذين كانوا يربطون العلاقة الأخوية بين دينهم والإسلام بالفضول والانبهار. فى كتابها «الإسلام اليهودى»، تسلط الباحثة سوزانا هيشل النظر على تعايش يهودى إسلامى، يسعى إلى إعادة رسم صورة الحداثة من جديد بعيدًا عن التفسير المسيحى للعالم.

يتصدَّر بداية هذه القصة المثيرة للإعجاب المستشرق أبراهام غايغر. فى كتابه «ماذا أخذ محمد عن اليهودية»؟، لفت غايغر، الذى يُعَدُّ رائد الإصلاح اليهودى، الانتباه أولًا إلى أوجه التشابه بين اليهودية والإسلام. وعثر على عبارات وجمل مأخوذة من المشناه والمدراش فى القرآن. لقد تركت أوجه التشابه بين الكتب والتعاليم الدينية أثرها عليه. ولذلك فقد كتب غايغر: «ظهور الإسلام كشف لنا جزءًا من التاريخ اليهودى، كان من الممكن أن يبقى من دون ظهور الإسلام مخفيًا عنا تمامًا».

بيد أنَّ غايغر لم يكن يُمثِّل أى استثناء، مثلما توضح هيشل فى كتابها المتضمِّن مختارات سير ذاتية. فقد ذهب المستعرب والمستشرق شلومو دوف غويتاين إلى حدِّ وصفه الإسلام كديانة «يهودية بصيغة عربية».

وكان هناك أيضًا آخرون غيره يستخدمون ــ مثله ــ الإسلام كقالب من أجل النظر إلى دينهم من وجهة نظر جديدة. وتُظهر هيشل كيف كان المفكِّرون والعلماء اليهود يستطيعون المبالغة ــ فى الوقت نفسه ــ فى الحرب الكلامية ضدَّ الديانة المسيحية وعقيدتها الثالوثية، من خلال تقاربهم مع الإسلام كدين مشابه لليهودية فى تعاليمه التوحيدية الصارمة وتقاليده المجرَّدة من الصور.

الإعجاب والانبهار بالإسلام

سواء كان ذلك بسبب اعتناق الإسلام أو بسبب العلم، فقد كان اليهود الألمان معجبين ومنبهرين بالإسلام، مثلما تستنتج هيشل. وتكتب أنَّ اعتناق الإسلام كان فى الوقت نفسه انعكاسًا للتركيز الذاتى اليهودى فى جميع تناقضاته. وكذلك تفترض أنَّ البحوث والدراسات الإسلامية من قِبَل باحثين يهود اخترقت الازدواجية بين أوروبا والشرق: «كانوا جزءًا من الآخر المُسْتَعْمَر وكان لهم فى الوقت نفسه نصيبٌ من الإمبريالية الأوروبية».

ولهذا السبب فإنَّ هذه الباحثة المختصة فى الدراسات اليهودية لا تتردَّد أيضًا فى ذكر الآثار السلبية لنظرة أنكرت استقلال الإسلام وأعادت تعريفه لتجعله أرشيفًا لتاريخها الخاص. وتُحذِّر بوضوح من التكتُّم على الصور السلبية، وذلك لأنَّه ليس الجميع كانوا يُقيِّمون الإسلام بشكل إيجابى.

فقد كان هاينريش غريتس، يرى فى الإسلام عدُّوًا آخر كبيرًا لليهود. وكان سولومون فورمشتشر يعتبر الإسلام استبداديًا. وكذلك يُعْتَبر أويغن متفوخ، الأستاذ فى معهد اللغات الشرقية ومدير مركز أخبار الشرق، بالنسبة لسوزانا هيشل «مثالًا نموذجيًا لعلَّامة يهودى أكَّد من ناحية على الأصول اليهودية للإسلام، ووضع نفسه من ناحية أخرى فى خدمة المصالح الاستعمارية الألمانية».

وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ هذه الجوانب كلها يطغى عليها تأريخ رومانسى فى أغلبه، يبدو فى بعض الحالات تبريريًا. إنَّ الإشارة إلى «دوافع المستشرقين وأهدافهم المتعدِّدة الطبقات» تُقلِّل من شأن طبيعة الهيمنة فى ظاهرة بعيدة المدى، أطلق عليها إدوارد سعيد ــ المشارك فى تأسيس نظرية ما بعد الاستعمار ــ اسم الاستشراق، الذى تتداخل فيه صور الوحشية والبطش والبدائية.

ازدواجية مصطنعة؟

هذه الأطروحة جريئة: فقد فاتها من ناحية فهمُ الصلات اليهودية فى الكتب والتقاليد الإسلامية كدليل على وجود تركيز إسلامى. وهى لا تُنصف من ناحية أخرى التنوُّع الإسلامى المُعايش فى علاقاته مع المجموعات الأخرى فى جميع شئون حياتهم اليومية، وحتى بعيدًا عن المعايير العلمية. قد يؤدِّى مثل هذا الافتراض إلى ازدواجية جديدة مصطنعة: هنا يوجد تقديرٌ وإعجابٌ بالإسلام لدى اليهود، ولكن لا يوجد هناك سوى عدم الاهتمام باليهودية لدى المسلمين.

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذا الكتاب يتجاهل الدور الاستثنائى لليهود العرب ــ المعروفين أيضًا باسم اليهود الشرقيين والسفارديم ــ فى وسط هذه الكوكبة من العلماء والباحثين.

وحتى فى هذه الشهادات، يظهر «الشرق» كمساحة ينعكس عليها الخيال والرغبة، وكذلك عدم المساواة والسلطة. يمكن القول إنَّ كتاب سوزانا هيشل «الإسلام اليهودى» هو جزء من سرد متعدِّد الأوجه، لا تُعتبر فيه الكينونة اليهودية والكينونة الإسلامية والكينونة الأوروبية والكينونة العربية متناقضات طبيعية، بل هى متداخلة مع بعضها بعمق. لذلك فإنَّ شخصية اليهودى العربى وما يرتبط به من عمليات تفاوض على تقرير المصير والهوية تستحق قدرًا أكبر من الاهتمام.

النص الأصلى

http://bit.ly/2WM7s89

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved