زي عمال النظافة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

«عمال النظافة تحولوا إلى متسولين رسميين فى الشوارع والكبارى والإشارات».

العبارة السابقة كتبها الصديق محمود مسلم رئيس تحرير صحيفة «الوطن» على صفحته على الفيسبوك قبل أسابيع قليلة، لكن ما لفت نظرى أكثر هو الانقسام الشديد بشأنها بين من علقوا عليها.

شخصيا أرى أن بعض عمال النظافة أو من يرتدون زيهم قد أساءوا كثيرا إلى العمال المحترمين الذين «تحسبهم أغنياء من التعفف، لا يسألون الناس إلحافا».

ظاهرة بعض عمال النظافة الذين يمارسون مهنة التسول الرسمى، صارت مقلقة ومسيئة ولا يمكن تبريرها تحت أى حجج.

من سوء الحظ أن بعض الناس الطيبين، ومن منطلق إنسانى مقدر، يدافعون بحسن نية عن هذه الظاهرة، تحت مبرر أساسى عنوانه: «وماذا يفعل هؤلاء المساكين والغلابة»، وهل دبرتم لهم عملا شريفا، قبل أن تلوموهم على الشحاتة؟!

المدافعون عن الظاهرة يسألون باستنكار ولديهم منطق مغلوط ويرددون أسئلة وعبارات مثل: يعنى الدنيا كلها تمام، باستثناء هؤلاء؟! أو «حضرتك عارف كم يدفع هذا العامل من أجر السكن ومصاريف أولاده ولبسهم وأكلهم؟!» أو «هناك قنوات فضائية كثيرة تشحت، فلماذا نلوم عمال النظافة؟!»، ثم رد أكثر عدمية يقول: «إيه الفرق، كله بيلعب ويقلب رزقه بطريقته!». أو «العيب على الحكومة التى تركت إعلانات الشحاتة فى الفضائيات!!!!».

كل التقدير لروح التعاطف والتضامن الإنسانى مع عمال النظافة أو أى فئة محتاجة.. لكن المسألة ببساطة، أننا نتحدث عن الصح والخطأ، عما يجوز أو لا يجوز، وبالتالى فالمعالجة الصحيحة للأمر، هى أن المحتاجين موجودون منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة وفى كل زمان ومكان، ولو أن هذا المبرر صحيح فسوف نتركهم يحتلون الشوارع والميادين، وسيكون من حقهم فى مرحلة تالية دخول البيوت بحثا عما يسد رمقهم، وإذا مددنا الخيط لآخره، سنعطى الحق لأى محتاج أن يسرق أو يقتل أى شخص بحثا عن سد حاجته!

أصل الحكاية هى أن نبحث عن كل الطرق التى تؤدى لعلاج حالة أى محتاج، لكن وإلى أن يحدث ذلك، فغير مسموح له أن يقف ليتسول فى الشارع مستغلا زى عامل النظافة.

للأسف بعض من يرتدون هذا الزى، اكتشفوا أنه يدر مالا كثيرا، وقرأت قصصا متنوعة تقول إن بعض عمال النظافة يؤجرون زيهم بالساعة للمتسولين المحترفين، وبالتالى فغالبية هؤلاء ليسوا عمال نظافة محتاجين. وهناك تقدير آخر، أن المتسولين وحينما اكتشفوا أهمية الزى فى التسول، فقد استمروا فى ارتدائه.

بعض عمال النظافة الآن، لا يؤدون عملهم، تراهم واقفين ينظرون بتمعن وانكسار إلى كل المارة وإلى أصحاب السيارات. المؤكد أن بعضهم شديد الاحتياج، وحالته صعبة، خصوصا فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة، لكن أن يتحول الأمر إلى مهنة، فتلك هى المعضلة.

ظاهرة بعض عمال النظافة الذين احترفوا التسول صارت منهج حياة لدى العديد من الفئات والحرف والمهن. صار التسول والاستجداء، أهم من البحث عن عمل شريف، هذه النوعية تراها واقفة بالساعات أمام ماكينات صرف الأموال والمستشفيات والفنادق والمولات الكبرى والسوبر ماركت، بل وسرادقات العزاء فى انتظار الحصول على أى «حسنة». يحدث ذلك بالذوق والأدب، وأحيانا بالضغوط المتنوعة، التى تبدأ باللوم الصامت، وتنتهى بالزجر والتوبيخ بل والشتيمة!

سيقول البعض إن قلبى من حجر، ولا أشعر بالغلابة؟! والإجابة هى لا بالمطلق. أعترض فقط أن يقفوا فى الشوارع بهذا المنظر المهين لهم وللبلد بأكملها.

لنفكر جميعا فى أى حل. وبعد أن نلوم الحكومة على سياساتها التى زادت من معدلات الفقر، وبعد أن نلوم بعض رجال الأعمال على نقص دورهم فى الرعاية الاجتماعية، وبعد أن نلوم الجمعيات والهيئات والمؤسسات الخيرية، على عدم قدرتها على مواجهة تنامى الفقر، بعد أن نفعل كل ذلك، علينا أن نبحث عن خطوات عملية لمعالجة المشكلة، لكن لا يعنى عدم وجود حلول سريعة، أن نسمح باستمرار الظاهرة، التى انقلبت إلى وسيلة مضمونة للتسول السريع وتحقيق مكاسب طائلة.

ساعدوا الفقراء والمحتاجين بكل الطرق، لكن لا تسمحوا لهم بالوقوف فى الشوارع والميادين!

والسؤال: أليس هناك حلول لهذه الظاهرة من قبل الهيئة العامة للنظافة وأى جهة ذات صلة؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved