لم يحضر الشيخ!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 18 يونيو 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

شهادة محمد حسين يعقوب أمام المحكمة الأسبوع الماضى، دفعت البعض إلى توجيه اتهامات عديدة للرجل بالتخلى عن أفكاره وآرائه واجتهاداته، التى دأب على طرحها منذ سنوات، وتربى عليها جمهوره، ولعبت دورا كبيرا فى تشكيل وعيهم الدينى وتوجههم الايديولوجى وانتمائهم السياسى.

قصة هذه الشهادة طريفة للغاية، حيث إنه وخلال نظر الدائرة الخامسة بمحكمة أمن الدولة العليا، قضية محاكمة 12 متهما من عناصر تنظيم داعش الإرهابى، والمعروفة إعلاميا بـ«خلية داعش إمبابة»، تمسك المتهمون بنفى ما أسندته لهم النيابة من اتهامات متعلقة بتأسيس وإدارة خلية تدعو إلى تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والاعتداء على القضاة وأفراد القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهم، واستباحة دماء المسيحيين واستحلال أموالهم وممتلكاتهم ودور عبادتهم، واستهداف المنشآت العامة.

اتهامات النيابة تضمنت أيضا لجوء هذه الجماعة إلى الإرهاب لتحقيق وتنفيذ الكثير من الجرائم التى ارتكبتها، ومنها استهداف كمين رمسيس وكمين البنك الأهلى بشارع البطل. المتهمون من جانبهم أكدوا خلال التحقيقات التى جرت معهم، أنهم تبنوا أفكارهم بعد سماع فتاوى وخطب الشيخين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب.

يعقوب خلال وقوفه أمام المحكمة، بعد عدة محاولات لعدم الحضور، تبرأ فى شهادته من الأفكار المتشددة التى يعتنقها المتهمون، وقال من ضمن ما قال إنه ليس له علاقة بالسياسة ولا ينتمى لأى حزب ولا جماعة، ولا يعرف معنى الفكر الجهادى، وأنه لا يفتى وآراؤه كلها مجرد اجتهادات شخصية!!

وردا على سؤال للمحكمة حول قول أحد المتهمين إن «الجهاد فى سبيل الله يعنى تنفيذ عمليات إرهابية»، قال يعقوب: «هذا مضلل، لا يوجد عاقل يقول هذا، واللى وصله لذلك جهله».

فى اعتقادى أن من حضر إلى المحكمة، لم يكن ذلك الشيخ يعقوب الذى نعرفه جيدا.. ذلك الشيخ صاحب الحضور الطاغى على الفضائيات، والمدافع الشرس عن حكم جماعة الإخوان، والمستهزئ بالمعارضين لها، والمروج للأفكار الدينية المتشددة والمتطرفة.

لم يكن ذلك الشيخ الذى يحرّم خروج المرأة إلى الأسواق لتشترى ملابس العيد لأطفالها.. الذى يرى أن بقاءها فى المنزل يجعلها فى قمة السعادة والرضا.. الذى يتساءل دائما «ماذا كسبت المرأة عندما ارتدت البنطلون الجينز والتيشيرت ونزلت لتخالط الرجل فى العمل؟!».. الذى أفتى بأن الشاب الذى يعجب بزميلته فى الجامعة «زانٍ» حتى من دون أن يلمسها أو يكلمها أو ينظر إليها!

لم يكن ذلك الشيخ صاحب «غزوة الصناديق» الشهيرة.. لم يكن هو من قال عقب الموافقة على التعديلات الدستورية فى عام ٢٠١١، إن «الدين هيدخل فى كل حاجة.. مش دى الديمقراطية بتاعتكم.. الشعب قال نعم للدين، واللى يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا».

لم يكن هو من تفاخر بأن «الناس انقسمت إلى فسطاطين، فسطاط دين فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم لـ(التعديلات الدستورية)، الإخوان والتبليغ والجمعية الشرعية وأنصار السنة والسلفيين، وقصادهم من الناحية التانية (ناس تانية).. وشكلك وحش لو ما كنتش فى الناحية اللى فيها المشايخ».

نعم لم يكن هو ذلك الشيخ الذى ملأ الدنيا ضجيجا وصخبا، لكنه كان فقط المواطن محمد حسين يعقوب، الذى جاء إلى المحكمة خائفا مذعورا مرتبكا، خشية أن يحاسب على ما جنته يداه من نشر للتشدد والغلو وغسل لعقول أجيال من الشباب بأفكار ترفض الاعتراف بالآخر، وتحض على العنف والكراهية، وتدفع إلى طريق الإرهاب والتطرف.

من حضر هو المواطن يعقوب، الذى تدثر بعباءة «التقية» لينجو بنفسه، وترك مريديه وأنصاره ليواجهوا مصيرهم المحتوم، مثله مثل قادة الإخوان عندما فروا من اعتصام رابعة والنهضة وتركوا ورائهم هؤلاء البسطاء المغرر بهم ليواجهوا المجهول.

سيظل الشيخ يعقوب حرا طليقا، وسيستمر فى غسل أدمغة الملايين من العوام وحشوها بالأفكار المتطرفة، طالما لا يوجد توجه حقيقى من الحكومة نحو حصار هذه الظاهرة التى تهدد استقرار الدولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved