ردود الفعل على الإرهاب

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الإثنين 18 يوليه 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

كيف تكون ردود فعل التونسيين بعد كل حدث إرهابى يتورط فيه أبناء بلدهم؟ لقد أضحت هذه الردود متوقعة ومنمطة. فما إن تنشر مختلف وسائل الإعلام التفاصيل حتى تبرز سلسلة من التحاليل والتعليقات المعبرة عن مشاعر الخجل والاستياء والسخط.. وهو أمر مفهوم باعتبار أن سردية الشعب الاستثنائى الذى نجح فى مواجهة التحديات ما عادت تقنع وما عاد موضوع «الاستثناء التونسى» يهيمن على كتابات المحللين. وبالإضافة إلى سيطرة الانفعالات والميل إلى التعبير عن مشاعر الغضب تستمر فئات من التونسيين فى توجيه أصابع الاتهام إلى «الإسلام السياسى» وتحديدا حزب النهضة فهو المسئول فى نظرها، عن توجه الشبان التونسيين إلى الأعمال الإرهابية.

***

وبقطع النظر عن مسئولية حزب النهضة من عدمها فإن ثبات مواقف عدد من المحسوبين على الجناح العلمانى أو اليسارى مثير للانتباه لأن الذى يكتفى بالبحث عن سبب واحد لتحليل ما يحدث من أعمال وحشية لا يملك القدرة على تفكيك الظاهرة الإرهابية المركبة. كما أن الذى يتوهم أن الإشكال يكمن فى وجود حزب بمرجعية إسلامية لا يمكن أن يتفكر ويتدبر ومن ثم يعقلن مواقفه. غاية ما يمكن فعله فى مثل هذه الأحداث، هو هدم سردية «الإسلام المعتدل» و«الديمقراطية الإسلامية».. والسقوط فى فخ التراشق بالتهم والسباب والتلاسن فهل يعالج العنف بالعنف.. وهل تصفى الخلافات بين الخصوم السياسيين على هذا النحو؟

بيد أن الردود لا تتوقف عند هذا البعد السياسى إذ نجد تعليقات ذات بعد أيديولوجى واضح. وأصحابها يصرون على إخراج الإرهابيين فى صورة ضحايا الدين الإسلامى ومن ثم يسعون إلى البحث عن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين وأخبار الخلفاء والعلماء التى تبين «بشاعة» هذا الدين و«دمويته» و«وحشيته».. «إن الإسلام بنسخته السنية والشيعية والخارجية هو إسلام تكفير وعنف وإرهاب».. وهكذا يتحول الإسلام إلى المركز فيدان ويغدو الإرهابى/الفاعل منتميا إلى الهامش ويبحث له عن أعذار ومبررات.

ولا فائدة من التوسع فى عرض عينات فهى دالة فى تقديرنا، على معرفة محدودة بالتراث الإسلامى ورغبة فى تنميط الإسلام واختزاله فى مجموعة من النصوص أو السلوكيات أو غيرها. ولكن الملفت للانتباه فى هذا الخطاب المدين للإسلام هو أنه مناسباتى لا يطفو على السطح إلا عند ظهور أحداث إرهابية يتخذها منتجو هذا الخطاب مطية لإبداء الرأى والاستمتاع بحرية التعبير، والإعلان عن مواقفهم الدينية بكل حرية دون أن يتعرضوا للأذى.

ولا تجمع ردود فعل التونسيين فى إدانة الآخر فى الداخل أى «الجوانى» بل نعثر على فئة أخرى من التونسيين الذين أدانوا الآخر/البرانى معتبرين أن السياسات الخارجية للغرب هى التى غذت الإرهاب وزجت بالشباب المهمش فى أحضانه. وعلى هذا الأساس تكون ردود الفعل متنزلة فى الجدل المعروف بين الأنا والآخر.
***
تبين هذه العينات من ردود فعل فئات مختلفة من التونسيين أن مسلكا مهما لابد أن يراعى حين ننظر فى سياق التحول الديمقراطى، ونعنى بذلك دراسة أسباب هيمنة العواطف والمشاعر والانفعالات المؤثرة فى تكوين الموقف السياسى أو الأيديولوجى أو الاجتماعى.. فهذه الأحداث السياسية ليست بمعزل عن تحولات تعصف بتركيبة الشخصية التونسية، والعربية عموما. أما الملاحظة الثانية فتكمن فى منسوب العنف الذى ارتفع حتى باتت العقلانية مسلكا لا يفقهه إلا النزر من الناس.
وتتمثل الملاحظة الثالثة فى هيمنة السطحى والشكلانى على حساب تفكيك الظواهر بالدقة المطلوبة والعمق المنشود. ولا يمكن التغاضى عن ذكر ملاحظة رابعة وهى ندرة بروز المواقف التى تضفى مجموعة من المعانى على ما يحدث من حولنا، وتطرح قراءات متبصرة. فهل أصيب «أهل النظر» بالعمى أم أصابتهم الدهشة أم عادت الأصوات المرتفعة إلى برجها العاجى بعد أن فقدت الأمل فى التغيير؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved