جنوب أفريقيا تشهد أفضل وأسوأ أوقاتها فى آن واحد

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الأحد 18 يوليه 2021 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز مجلس العلاقات الخارجية CFR مقالا للكاتب جون كامبل، تحدث فيه عن أسباب اندلاع أعمال الشغب فى جنوب أفريقيا ثم تحولها إلى احتجاج على أوضاع الفقراء والفئة المهمشة، ذاكرا نقاط قوة وقصور نظام الحكم فى تعامله مع أعمال العنف الجارية والتى تعد الأسوأ منذ نهاية نظام الفصل العنصرى.. نعرض منه ما يلى.

تواجه جنوب أفريقيا أعمال شغب لم تشهدها البلاد منذ نهاية الفصل العنصرى؛ فوسائل إعلام جنوب أفريقية ودولية تنقل صورًا للفوضى تظهر فيها سرقة أجهزة تلفزيون واحتراق مراكز تسوق، بعض المعلقين والمعلقات يقولون إن جنوب أفريقيا تبدو كدولة فاشلة. حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى الحاكم فى حالة من الفوضى. سلاسل التوريد تعطلت وتؤدى الاضطرابات إلى عرقلة حملة التطعيم ضد فيروس كورونا. الرئيس سيريل رامافوزا يحشد قوات الدفاع الوطنى لمساعدة الشرطة فى استعادة النظام. باختصار، إنها أسوأ الأوقات فى جنوب أفريقيا على الأقل منذ نهاية الفصل العنصرى.

ومع ذلك، أعاد القضاء فى جنوب أفريقيا التأكيد على سيادة القانون من خلال إرسال الرئيس السابق جاكوب زوما إلى السجن بتهمة ازدراء المحكمة. اتبع القضاء روح ونص الدستور. فبسجن زوما، أعادت المحكمة التأكيد على أنه لا يوجد مواطن أو مواطنة فى جنوب أفريقيا فوق القانون. كما تم توجيه ضربة للفساد فى المؤسسات الوطنية. إذن، من حيث المسار الديمقراطى وسيادة القانون، يعد هذا أفضل وقت فى جنوب أفريقيا.
بداية، اندلعت أعمال الشغب بسبب سجن زوما. ومن المحتمل، إلى أن يثبت العكس، أن بعض حلفاء زوما السياسيين هم من حرضوا على أعمال الشغب، خاصة فى مسقط رأسه كوازولو ناتال. ولكن، مع اشتداد أعمال الشغب وانتشارها، تحولت الاحتجاجات على مصير زوما إلى تعبير عن المظالم العميقة الجذور التى يعانى منها الفقراء والفئات المهمشة وهذا يذكرنا بأعمال الشغب التى شوهدت فى الولايات المتحدة على هامش احتجاجات «حياة السود مهمة». زاد من احتقان الأزمة انتشار كوفيدــ19 مما دفع حكومة رامافوزا إلى فرض قيود لمحاولة احتوائه، لكن تسبب ذلك فى غضب واسع النطاق. أضف إلى ذلك تدهور الاقتصاد وقلة فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة مع ازدياد نشاط العصابات الإجرامية التى تستفيد استفادة كاملة من انهيار النظام.

لكن بعيدًا عن زوما والغضب والإحباط وانتشار فيروس كورونا وقيوده، يمكن القول إن معنى أن تواجه جنوب أفريقيا أفضل أوقاتها وأسوأها فى آن واحد، أن هناك فجوة واضحة بين النجاح الملحوظ الذى حققته البلاد فى بناء المؤسسات الديمقراطية القائمة على سيادة القانون وبين التقدم الأبطأ بكثير فى تلبية الحاجات والتطلعات لغالبية شعبها. فلم تتغير الهوة بين الأقلية البيضاء (أقل من عشرة بالمائة من السكان) وباقى أفراد الشعب منذ نهاية الفصل العنصرى تقريبا، بل بالعكس ساءت وفقًا لبعض المقاييس. الاقتصاد متركز فى أيدى البيض وتلك النخبة السوداء التى استفادت من مختلف مخططات تمكين السود. صحيح أنه تم الحد من الفقر المدقع إلى حد كبير من خلال نظام المنح ولكن دون تغيير الاقتصاد بشكل جذرى.

يعكس هذا التناقض الحقيقة التى لطالما تم تجاهلها، وهى أن عام 1994 وظهور نيلسون مانديلا و«الديمقراطية غير العنصرية» لم يكن انتصارًا لحركة التحرير بل كان اتفاقًا بين طرفين متساويين تقريبًا فى الثقل والقوة: من ناحية، فلول نظام الفصل العنصرى وأنصارهم الرأسماليين، ومن الناحية الأخرى حركات التحرير وأنصارها فى الخارج. فى الواقع، أدت تسوية 1994 إلى توسيع الديمقراطية والمشاركة السياسية مما أدى إلى حكم الأغلبية السوداء. لكن الاقتصاد ظل إلى حد كبير فى أيدى أولئك الذين يسيطرون عليه، والدستور ضامن وحامٍ للملكية الخاصة.

أثناء الانتقال إلى الديمقراطية وإنهاء نظام الفصل العنصرى كان هناك أمل وتوقع بأن ينمو اقتصاد ما بعد الفصل العنصرى بسرعة كبيرة بحيث يتم القضاء على فقر الشعب أو على الأقل تخفيفه. كما كانت هناك توقعات بوصول سيل من الاستثمارات الأمريكية لكن هذا لم يحدث. ومع ذلك، كان النمو الاقتصادى كبيرًا حتى وصل جاكوب زوما إلى السلطة فى عام 2009. لكن لاحقا، أدت التطورات الاقتصادية الدولية وما تبعها من انخفاض صادرات جنوب أفريقيا وسوء إدارة الاقتصاد وانتشار الفساد إلى ركود الاقتصاد الجنوب أفريقى. لذلك تعد محاكمة زوما بتهمة الفساد خطوة مهمة إلى الأمام جنبا إلى جنب مع محاولة الرئيس الحالى رامافوزا إلى تعديل وتغيير الأوضاع السيئة الراهنة، اقتصاديا وصحيا واجتماعيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved