أحلام الضربة القاضية

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: الأحد 18 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تابعت خلال الأيام التى سبقت فض اعتصامى رابعة والنهضة النقاشات العنيفة التى دارت بين الغالبية التى كانت تترقب الفض بنفاد صبر والأقلية التى رأت غير ذلك. تزامنت تلك النقاشات مع تصاعد حدة الأحداث وزيادة درجة العنف من قبل جماعة الإخوان وكان الأمر خطيرا بالفعل خاصة مع أحداث القتل والتعذيب التى قامت بها الجماعة سواء خلال هجومها على أحياء المنيل وبين السرايات وغيرهما أو أحداث القتل والتعذيب الموثقة والأدلة على وجود أسلحة خاصة فى اعتصام النهضة. مع ازدياد العنف والفوضى ارتفعت بشدة الصيحات المطالبة بالفض الفورى وبدا كما لو كانت المشكلة تتلخص فى تلك البؤرتين اللتين لو تم استئصالهما لصح الجسد واستأنف حياته الطبيعية. تفاوتت آراء المعسكر الآخر وبدت أكثر تنوعا وأكثر إدراكا لعمق الأزمة أو على الأقل أخذت فى الاعتبار أن لتلك البؤرتين سياقا يجب الالتفات إليه.

المؤسف حقا أن لم تكن هناك أية مساحات آمنة للنقاش والتفكير الهادئ والذى كنا فى أشد الحاجة إليه. وقد نال المعسكر المتحفظ على الفض النصيب الأكبر من الاتهامات وتم تصنيف الجميع على أنهم سذج فى أحسن الأحوال وخونة فى أسوئها وكان الوصف الغالب أنهم مثاليون حالمون مجذوبون باعتبارات حقوق الإنسان وغير عابئين بالواقع ـ وقد استهدف نشطاء حقوق الإنسان بشكل خاص وأطلق عليهم فى سخرية لقب «النوشتاء الحكوكيين» وهو لقب مروع فى ثقل ظله وعار على السخرية والفكاهة بصرف النظر عن أى شىء آخر.

●●●

أنتمى لمعسكر الأقلية ورغم عزوفى عن الدخول فى مناقشات محتدة لا طائل منها إلا أن الأمر لم يسلم بالطبع. ونالنى ما نالنى رغم إننى لم أكن ضد فكرة فض الاعتصام ولكن انعدام ثقتى فى جهاز الشرطة سواء من ناحية احترافيته أو احترامه للحياة الإنسانية جعلنى قلقة جدا من هذه الخطوة، كما أننى نظرت بريبة لتقاعس الداخلية عن اتخاذ أى من الخطوات التى كان بإمكانها المساعدة فى السيطرة على الاعتصام فلم يتم تنفيذ فكرة حصاره والسماح بالخروج دون الدخول، كما تم السماح بسيارات النقل الحاملة للأسمنت والرمل ومواد البناء الأخرى فى تقاعس غير مفهوم. كنت كلما أبديت قلقا أو تحفظا أجد من يقول إننى لابد لم أر الصورة أو الفيديو الخاص بتعذيب الإخوان للأهالى أو صور القتلى وما إلى ذلك وعبثا أحاول الرد بألا خلاف على وجود مشكلة خطيرة من عدمه وإنما على طريقة التعامل معها. بل إن رؤيتى لخطورة الأمر هى تحديدا ما يجعلنى أرى أن الاكتفاء بالحل الأمنى لن يزيد الأمر إلا تعقيدا.

●●●

ها هو الاعتصام قد تم فضه بأعنف طريقة ممكنة ولا يمكننا حتى اللحظة حصر الضحايا. ربما بدأ بعض ممن كانوا متحمسين للفض فى مراجعة أنفسهم خاصة وأن العديد منهم اكتشف معرفته الشخصية بأناس فقدت أرواحها فى الأحداث. وانفجر عنف الجماعة فى كافة أنحاء الوطن وصرنا فى مواجهة إرهاب بمعنى الكلمة استهدف بالأساس أضعف الحلقات وهم الأقباط وصار الجميع  بلا حماية فحتى الشرطة لا تستطيع حماية نفسها. أما على الصعيد السياسى فقد أدى فض الاعتصام بهذه الطريقة إلى المد فى عمر الإخوان بما لا يستحقون- صار هناك شهداء وثأر وقضية وهو طوق النجاة لجماعة كانت فى سبيل الاحتضار.

ليس الحالمين هم من رغبوا فى حل آخر يحقن الدماء ويحاول تخيل حياتنا ما بعد الاشتباك بل هؤلاء هم الواقعيون. أما الحالمون فهم من تخيلوا أن «شجيع السيما» سيأتى فى آخر الفيلم ويقضى على العصابة بالضربة القاضية- لا نهاية سعيدة هنا بل بداية لأيام صعبة أعاننا عليها الله.

 

باحثة مصرية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved