طيخ.. طاخ.. طوخ

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 18 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

دوى رصاص هائل، لكن الصوت لا يسير على وتيرة واحدة، بعضه يأتى فى زخات متصلة وبعضه متقطع ثم يتبعه انفجارات، على أية حال هو لا يشبه ما كان يرد فى أفلام الكارتون القديمة، بل حياتنا أصبحت على شاكلة ألعاب الأكشن الإلكترونية حيث يختار المستخدم نوع السلاح الذى يريد قتل الخصم به: هل سيقضى على منافسه برشاش الكرينكوف الذى كان يستخدمه بن لادن وفاعليته أفضل من الرشاش (M16) من ناحية السرعة؟ أم الكلاشينكوف الروسى الذى ظهر للمرة الأولى عام 1939؟ أو يفضل البازوكا الأمريكانى التى طرحتها فى الأسواق شركة نيوركية فى مطلع الخمسينيات؟ كذلك يمكننا تحميل نغمة هليكوبتر من على الإنترنت ليشعر المرء منا بالطمأنينة فى ساعات الليل المتأخرة ويستمر إحساسه أن هناك من يحميه عندما سيخلد للنوم.. فقد اعتاد المواطن المصرى مؤخرا على قعقعات المعركة، وحتى ألعاب العيد النارية والصواريخ الصينى الجديدة جاءت تحمل ثقافة عنف مستحدثة، فهناك صاروخ مُحدث للصوت وآخر للشرر والضوء.. وكانت الضوضاء التى يحدثاها تختلط بصوت الطائرات التى تحلق فى السماء لتنقل ربما من أصيبوا فى اشتباكات سيناء.

 

●●●

يحاول بعض الناس استنتاج طبيعة الأصوات التى تطرأ على آذانهم: هذه ليست هليكوبتر بل حاملة أفراد، فبيتنا كان قريبا من مطار شاوة الحربى ــ بالدقهلية شرقى الدلتا ــ وأزعم أننى أستطيع التمييز بين أنواع الطائرات المختلفة التى كنت أسمعها أيام حرب 67! مجرد اجتهادات وهموم صغيرة.. فليس فى ذاكرتنا الصوتية المخزون الكافى للتفرقة بين أنواع الرصاص والذخائر النارية: خرطوش، آلى، رصاص عادى لا ينفجر بل يخترق الهدف فقط.. صربى، بلغارى، ألمانى، مصرى.. كانت لدينا فرصة لاكتشاف عالم الأصوات والأسلحة خلال الفترة الأخيرة، فقد تطورت أساليب استخدام الصوت كوسيلة للقمع والسيطرة فى الفضاء العام، من جوانتانامو إلى غزة، وذلك منذ الحرب العالمية الثانية وخاصة الأبحاث الألمانية فى هذا المجال.. وظهرت الكتب المختلفة التى تتناول استخدام تقنيات الصوت كسلاح للردع من قبل الأجهزة الأمنية للتأثير على الجماهير العظيمة المستضعفة. ولذا من المنطقى فى الأوضاع الحالية أن يمر شاب فى ساعة متأخرة من الليل و قد ثبت على دراجته البخارية كاسيت يسمع من خلاله إحدى أغنيات «المهرجانات» الشهيرة ويسمعها للحى كله، وينطلق الصوت مدويا: «طاخ.. طاخ.. طوخ، البت جنبى صاروخ.. كل ما أشوفكم أدوخ. أنا واد حبيب ورومانسى، وبارقص مع مى ونانسى. عايش ومدلع نفسى، باعمل كل اللى فى نفسى». 

 

●●●

 

تحولت إذا «شيك.. شاك.. شوك» الراقصة إلى «طاخ طاخ طوخ» لأن أغنية نجوم «المهرجانات» غاندى وهيصة، والتى قام بتوزيعها زميلهم فيجو، ظهرت فى 2012.. وبما أن مفاهيم الدولة والسلطة والنظام إلى ما غير ذلك كانت كلها تتهاوى وتهتز وتتغير أمامهم فأصبح من الطبيعى أن يفعل «كل اللى فى نفسه»، يرقص، يتحرش، ينتقم.. فعندما نستمع لأشخاص عاشوا تجربة الحرب الأهلية أو ما شابهها يروون كيف اختبروا أشياءً تتعدى بكثير أصوات الرصاص، اختبروا الحرية بلا حدود فى ظل غياب سلطة القانون عموما، داخل الأسرة أو على مستوى البلد.. اختبروا مشاعر مختلفة ليفهموا بعمق معنى الحب والكره والخوف والظلم.. عرفوا العلاقة المباشرة بين الحرب و الموت، و الموت والخوف.. اختبروا غريزة الحياة وحب البقاء لديهم، والتى تكون ربما أقوى لدى الأطفال الذين يحكون ذكرياتهم عن الصراع الأهلى. غالبا يخرج البشر أنضج من مثل هذه التجارب الألمية، إذا لم تقض عليهم، يكتشفون أن الأبطال كُثر والبطولات قليلة، وأن الحزن يتفشى كالمرض العضال.. يفهمون معنى أن نبادل الرصاص بالرصاص، وأن يفوت وقت ضبط النفس، فيصبح «الطخ» فعلا وليس مجرد مؤثرات صوتية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved