وداعا… أو إلى اللقاء؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ تحدث فيه عن استمرار فشل نظام الحكم فى لبنان حتى بعد مرور مائة عام من قيام لبنان كدولة.. نعرض منه ما يلى.
ما الذى حدث أو الذى لم يحدث حتى الآن؟
أتلفنا مائة عام من عمر لبنان. قضينا على الماضى برمته. صار رمادا وأطلالا. ما كان جميلا دُفن. وما كان قبيحا تم احياؤه. لعنة اللاوطن تلاحقنا. لعنة القراصنة تنقصنا. الأديان والمذاهب تحوَّلت إلى ناى للإلحاد السياسى. لا بقعة سماء فى ذلك الماضى الراهن دائما. لم ننجح إلا فى البهورة والتغنى بما وهبته الطبيعة، لا بما صنعناه نحن. الماضى أطلال، «قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ».
من ذلك الماضى النتن والقذر والتافه، خرج هذا الحاضر. مستحيل أن تنجب المسوخ الطائفية «المقدسة شعبيا»، حاضرا مؤهلا لصيانة الحياة. موتنا كان رهانا ناجحا لهم. دفنونا أحياء. اقتلعوا أحلامنا. عقموا عقولنا. ذبحوا الآمال المتواضعة. لم يوفر الحاضر سوى المزيد من القلق حتى بلغنا حافة الهستيريا.
فما الذى سيحدث غدا؟
لا أعرف. لست أرى بارقة أمل وبصيص ضوء. لقد دمروا المستقبل كذلك. ألا ترونهم كيف يتفيأون أفكارهم ومواقفهم. حفلات الجنون ليست كذلك. لعنة الستة ستلاحقنا. والستة كانوا من زمان بعيد أو من زمان قريب، قراصنة فى السياسة وزناديق فى الوطنية. تصوروا: أنهم أعداء متفقون على عدم الفراق. إما يكونون معا أو لا يكون أحد سواهم. حلف الأعداء هذا، هو «الميثاق الوطنى القديم والجديد». مساكين أولئك الذين حلموا بلبنان. الشعر كان كاذبا. لا يستحق لبنان قصيدة أو أغنية أو مسرحية. يستحق الرثاء البليد والمعاد والمكرر. يستثنى من ذلك من كان من صعاليك الثقافة الكبار.
لا غد غدا. الآتى موغل فى التوحش السياسى والدمار الوطنى. المستحيل خلفنا وأمامنا وقدامنا. لا شفاء من لبنان، الذى هو لبنانهم، ولبنان الناس المتمسكين بأذناب هذه المسوخ الطائفية.
لا شك بالعبقرية اللبنانية الفردية. الأفراد نجوا من التبعية. هاجروا. نجحوا. كسبوا. حلموا بلبنان من بعيد. لم ييأسوا بعد. أنهم يحبون من بعيد. لو كانوا هنا، لكانوا من الكافرين القديسين. لكانوا نفضوا غبار أحلامهم، كما ننفض أحذيتنا المهلهلة.
يتساءل اللبنانيون إلى أين؟
الجواب: كل الطرق تؤدى إلى بقاء لبنان مخلعا. مشلولا. فاشلا. كئيبا. بل سيمعن أكثر فى الشقاء. هو ماضٍ، بعناية القادة الستة ومن معهم، إلى أسفل الأسافيل… أسمعوهم. لم يتعلموا ولن يتعلموا. الثورة مسخوها من التاريخ. الكورونا عاثوا فيها انتشارا. الإصلاح يكاد يدمر ما تبقى من لبنان، والإصلاح المالى سيذيب مدخرات اللبنانيين. أما الانفجار الكبير، فإنه ليس خاتمة الأحزان، بل هو باب من أبواب الجحيم اللبنانى.
هل نعِّول على دول العالم؟
طبعا. هكذا اعتادوا. اعتادوا على الدعم الخارجى المتصارع. تاريخ لبنان السياسى، هو تاريخ ممارسته سياسة الالتجاء الخروج والمتناقض للمحاور، العربية، الغربية، الإيرانية… كل ابن سياسة حضر إلى لبنان كى يخدمه اللبنانيون. سلام اللبنانيين فيما بينهم، تحرسه الخناجر المختبئة خلف ظهور «الشركاء القذرين فى الوطن». وهو ليس وطنا بالمرة.
الآن، وبعد اندلاع جحيم الانفجار، ركض الجميع لستر هذا العار. يتبرأون منه. «ما خصنا». ما أفدح كذبهم. ما أوقح كلامهم. انهم مهتمون، ولذلك لا يجرؤون على الظهور فى الشوارع والساحات يفضلون عليها غلالة الشاشات الفالتة من عقالها ومن عقولها. عيب أن يشبه الاعلام هؤلاء القراصنة.
هل هذا يعنى أن لبنان مستحيل؟
تقريبا. جدا. حقيقة. أنه لكذلك. سأترك لكم أن تتخيلوا الحلول المجرمة التى يتداولونها. يصح القول فيهم «وعلى ثيابى اقترعوا». لقد صلبوه مرارا، وعلى ردائه اختلفوا وتفاوضوا ولكل واحد حصة. تزول الآلهة ولا تزول الطائفية… إنى أراهن على ذلك. الطائفية أقوى من الله ومن الأنبياء ومن الديانات.
أيها اللبنانيون، لا تحلموا ابدا بوطن. لا تحلموا بديموقراطية. لا تحلموا بمواطنة. لا تحلموا ابدا… توقعوا الكوابيس، خاصة بعدما أفرغ من لبنان كل إمكان. حتى تلك الثورة البهية، اسقطوها. حتى تلك الحكومة الهزيلة، لم يتحملوا شبه استقلاليتها… هؤلاء هم شياطين لبنان، وهذا اللبنان جحيمهم المفضل.
التشاؤم صحى وبنّاء. التفاؤل مرض وغباء. تشاءموا حتى تصلوا إلى السؤال: ما العمل؟
لا جواب سهلا عن السؤال.
لعله من المفيد أن يقال لهم: هذا لبنانكم فخذوه. أما لبناننا فهو ضدكم، من كل الاتجاهات. لبنان الجديد بحاجة إلى ألفباء الثورة. ثورة 17 تشرين كتبت الألفباء. الآن، حان وقت تركيب الجمل المفيدة، ورسم الخطوات الأكيدة. ولا خطر على الثورة إلا من داخلها، خاصة وأن بعض «الثوار»، على صلة وثيقة ببعض أركان النظام. هؤلاء هم أعداء الثورة. لأنهم ضد القطع مع الكل.
بعد كل هذا الخراب، وعمره قرن، لا إيمان عندنا إلا بالمستحيل الوطنى. والوطن يبنيه مواطنون، لا طائفيون. ولقد قلنا ذلك أكثر من ألف مرة.
أفضل أن أقول: إلى اللقاء. ولن أجرؤ على التلفظ بكلمة: «وداعا يا أحبتى».

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved