بعض التوصيات لزيادة صادراتنا

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الخميس 18 أغسطس 2022 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

إذ نهنئ أنفسنا على التغيير الوزارى الجديد وكلنا أمل فى أن نحقق التغييرات الجذرية اللازمة التى ستضعنا على الطريق الصحيح دون خوف أو تباطؤ، يهمنا فى هذا السياق المشاركة ــ وإن كان بشكل متواضع ــ ببعض الأفكار التى قد يرى صانع القرار فى تبنى بعضها، بما قد يساهم فى تحقيق أهدافنا الطموح من أجل وطننا ويضمن فى إنجاز القفزة المستهدفة فى الصادرات بقيمة 100 بليون دولار. ونوجز فى هذا السياق بعض التوصيات ذات الطابع المؤسسى والسياسى والاستراتيجى والإجرائى فيما يلى:
1ــ إعادة هيكلة وزارة الصناعة والتجارة
ونهدف من هذه التوصية بشكل أساسى إلى تمكين وزارة الصناعة والتجارة من القيام بدورها دون أن ينازعها أحد فى تخصصها، حيث إنها من أهم الوزارات فى المرحلة المقبلة والتى يحتل فيها التصدير أولوية قصوى فى ملفات الدولة. ويقع على عاتق وزارة الصناعة والتجارة، أولا وقبل كل شىء، تطوير استراتيجية متكاملة بين الصناعة والتجارة بحيث يصبح كل منهما مكملا للآخر. فإن السياسات التجارية جزء من سياسات الدولة ككل ومكملة لسياساتها الصناعية، كما أنه من الضرورة وضع استراتيجية مناسبة وصحيحة لسياسات التصدير.
وإذ ندحض هنا بالقرارات الانفرادية التى تؤثر سلبا على أهدافنا القومية، وذلك على الرغم من تفهمنا الكامل لأهميتها، فإننا نؤكد على جدوى التشاور المسبق مع الوزارة المعنية. والمقصود هنا قرار البنك المركزى بشأن خطابات الاعتماد للتعامل مع أزمة الدولار من أجل تأمين واردات مصر من القمح بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا، حيث كان من الأنسب له أن يتخذ قراره بالتشاور والتنسيق الوثيقين مع وزارة التجارة والصناعة وأصحاب المصلحة، لما لهذا القرار من آثار سلبية على صادراتنا، وكذا على الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن أجل تجنب القرارات الأحادية والمتسرعة، وجه السيد الرئيس بتشكيل مجموعة عمل متخصصة لمتابعة إجراءات الاستيراد ومدى تلبيتها لاحتياجات عملية التصنيع والإنتاج، حيث نجاح التصدير مشروط بمرونة الاستيراد وأنهما وجهان لعملة واحدة.
2ــ إقامة حوار مؤسسى بين الحكومة والقطاع الخاص
ولعل غياب الثقة بين المسئولين ومجتمع رجال الأعمال أحد الأسباب الرئيسية التى تستدعى إقامة حوار منهجى منتظم ومؤسسى بين الحكومة والقطاع الخاص. فإن الكثير من التعقيدات فى إجراءات العمل تنبع من انعدام الثقة المتبادلة بين سلطات الرقابة ومجتمع رجال الأعمال. ويترقب رجال الأعمال يوميا ما ستصدره الحكومة من قوانين جديدة قد تعرقل انسياب أعمالهم وتكلفهم المزيد. وأن إقامة حوار منتظم وملزم من شأنه أن يساهم فى سد فجوة الثقة المتسعة بين الطرفين والمشاركة فى وضع سياسات بناءة للارتقاء بقطاعى الصناعة والتجارة فى آن واحد.
3ــ عدم استخدام القيود الفنية لمعالجة القصور فى سياسات أخرى
ويلجأ صانع القرار إلى مثل هذه القيود لسهولة تمريرها، وإن كانت خطورة مثل هذه القيود تكمن فيما تؤديه من إعاقة الاستيراد والتصدير. فما هو أسهل من حجب الواردات وفرض إجراءات تقييدية على الاستيراد لمعالجة العجز فى الميزان التجارى بدلا من بذل المزيد من الجهد لزيادة القدرة التنافسية لصادراتنا كأحد المصادر الرئيسية لجذب العملة الصعبة وسد الفجوة فى الميزان التجارى.
4ــ عدم الإخلال بالتزاماتنا فى إطار منظمة التجارة العالمية
لا يمكن للصناعة أن تزدهر فى غياب السوق المفتوحة الذى يعمل على تيسير مدخلات الإنتاج، وخاصة المدخلات عالية الجودة. وقد أتاحت منظمة التجارة العالمية العديد من السياسات والإجراءات المسموح بها لحماية السوق المحلية من المنافسة غير العادلة والإجراءات المشوهة للتجارة، لا سيما فى إطار اتفاقية المعالجات التجارية. وتتمثل هذه المعالجات فى السماح لمصر باتخاذ إجراءات منفردة لحماية سوقها سواء فيما يتعلق بإجراءات مكافحة الإغراق أو الإجراءات التنظيمية لمواجهة آثار الدعم غير المصرح به فى إطار المنظمة وكذا اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد زيادة الواردات من منتجات معينة، لما قد تسببه هذه الزيادة من ضرر أو تهدد بإلحاق الضرر بالصناعة المحلية. وكلها إجراءات مسموحة وتتسم بالشفافية يمكن تطبيقها بدلا من اتخاذ إجراءات تقييدية تشويهية وتؤثر على مصداقية مصر والتزاماتها بموجب منظمة التجارة العالمية.
•••
5ــ استقرار السياسات التجارية
إن استقرار السياسة عنصر شديد الأهمية من أجل تحقيق رؤية تجارية واضحة، حيث إن القدرة على التنبؤ ضرورية لتيسير العمل للقطاع الخاص وتحفيز المستثمرين على إنشاء صناعاتهم بأهداف طويلة المدى بدلا من تحقيق مكاسب سريعة ومتقلبة. وقد ثبت أن تغيير السياسات لمجرد معالجة مشاكل وقتية مصيرها الفشل، حيث إن المعالجات المتعجلة وغير الحكيمة للمشكلات الهيكلية عميقة الجذور فى الاقتصاد الوطنى غير مأمونة العواقب. وفى هذا السياق، من الضرورى إعادة رسم سياسات التصدير فى إطار استراتيجية محكمة تقوم على المدى المتوسط والطويل وإحياء المجموعة الوزارية الاقتصادية التى تكونت فى التسعينيات، والتى اعتادت أن تجتمع بانتظام لاتخاذ قراراتها بعد مراجعة عميقة لجميع الجوانب، والتنسيق الشامل بين الوزارات والجهات المعنية بالسياسات الاقتصادية والمالية والتجارية لكى تدعم بعضها البعض. فإذا كانت مصر حريصة على تحقيق قفزة فى صادراتها، فإنها تحتاج إلى إجراءات إصلاح جذرية، تحقيقا للاستمرارية والدوام فى سياساتها التجارية من الحكومة والقطاع الخاص معا.
6ــ العمل على تحديث نظم مساعدة المصدرين وترويج الصادرات
لا تسمح منظمة التجارة العالمية بدعم الصادرات، لما تعتبره ذلك من منافسة غير عادلة. ومع ذلك، فإن الدول الصناعية والنامية لديها خططها لتنمية الصادرات لخدمة مصلحة مصدريها. وتتبع جميع الدول دون استثناء برامج لمساندة مصدريها تتسق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
وإذا أرادت مصر تفعيل آلية ونظام مساندة مصدريها أسوة بالدول الأخرى، فإن إصلاح النظام المتبع أصبح أمرا ضروريا، حيث أثار صندوق تنمية الصادرات انتقادات حادة من جانب المصدرين، سواء كان ذلك بسبب التعقيدات الإجرائية، أو التأخير فى رد الأعباء الذى قد يستغرق سنوات من التسويف، لاعتماده المطلق للإفراج عن موارده فى الميزانية على وزارة المالية، التى لا تتفهم هموم المصدرين. ويتطلب الأمر تعديل استراتيجية مساعدة المصدرين وترويج الصادرات برمتها وإقامتها على معايير صحيحة تستوفى النتائج المطلوبة لتحقيق القيمة المضافة ووضع مستهدفات محددة للقطاعات ومؤشرات رئيسية للأداء للوصول إلى المُصدِر الذى يستحق الدعم من جانب الحكومة.

7ــ تبسيط إجراءات الاستيراد والتصدير وتخفيض الرسوم المفروضة عليها
لقد كشفت أوجه القصور فى سياسات التجارة الدولية، والتكاليف اللوجستية الباهظة بشكل استثنائى، والافتقار إلى رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة، كشفت عن مدى حدود مصر فى المشاركة فى سلاسل الإنتاج وصعوبة الارتقاء إلى شرائح ذات قيمة مضافة أعلى. فإن أرادت مصر الانضمام إلى مصاف أقرانها فى المنافسة فى مجالات التصدير والاستثمار، فلا مناص من تبسيط إجراءات الاستيراد والتصدير وتخفيف الرسوم والتكاليف الرسمية وغير الرسمية. فلقد أصبح التقدم فى مجال تبسيط إجراءات التجارة وخفض التكاليف الإدارية واللوجستية على نفس القدر من الأهمية التى كانت عليه مفاوضات خفض التعريفة الجمركية، إن لم يكن اليوم أكثر إلحاحا.

8ــ تكافؤ الفرص بين الشركات المملوكة وغير المملوكة للدولة
تمثل هذه التوصية إحدى الركائز الأساسية للحوار الوطنى على الصعيد الداخلى. فكيف يتأتى للقطاع الخاص الدخول فى معركة يعلم مسبقا أنه الخاسر فيها؟ فإن القطاع الخاص فى أى مكان فى العالم عندما يخاطر بأمواله وممتلكاته، فإنه يفعل ذلك من منطلق تحقيقه للربح. فإذا كانت هناك حاجة ملحة للتأكيد على أن الحكومة هى الجهة التنظيمية التى توجه التنمية، وأن يتم ذلك يجب أن يتم فى إطار علاقات وشراكات جديدة مع القطاع الخاص دون تمييز أو تفرقة، فإن القطاع الخاص ملزم أيضا تجاه بلده بالمهام والالتزامات التى يتعين عليه الوفاء بها تحقيقا للتقدم والازدهار.
وليس هناك أفضل من أن نختتم مقالنا هذا بالعبارة الشهيرة للرئيس الأمريكى جون كينيدى «لا تسأل عما يمكن لبلدك أن يفعله من أجلك ــ اسأل عما يمكنك فعله لبلدك»، وبهذه الجملة قام بتحفيز الجميع على العمل من أجل الصالح العام، وهو أكثر ما تكون مصر فى حاجة إليه اليوم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved