متى نضبط الحكومة متلبسة بميزان العدل؟

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كنت أتمنى على الحكومة لو أذاعت على الهواء اجتماع المجلس القومى للأجور الذى من صلاحياته تحديد الحد الأدنى والأقصى للأجور. إذاعة الاجتماع من شأنه التعرف على رأى أعضاء المجلس من الوزراء ورجال الأعمال والعمال فى هذه القضية. حتى يعرف الرأى العام من يقف وراء تعطيل هذا القرار، والذى ظل مجمدا، ومر عليه ثلاثة رؤساء (مبارك ومرسى ومنصور) دون أن يدخل حيز التنفيذ. لعلنا نضبط الحكومة متلبسة بضبط ميزان العدل.

ولا أعرف قرارا قد صادفه كل هذا الإرتباك فى الأداء والتناقض فى التصريحات، مثل هذا القرار، والذى تبارى الجميع فى البحث عن العراقيل، التى تجعل تنفيذه صعبا دون أن نضبط أحدهم متلبسا بالبحث عن مخرج لتسهيل إنفاذه أو نجد أحدهم متحمسا لجعل القرار فرصة لفتح ملف إصلاح الهياكل الظالمة للأجور فى مصر. واختلال العدل فى توزيع الأجور بين العام والخاص وبين قطاعات مثل الصناعة، التى يعمل فيها نصف إجمالى العاملين فى مصر ممن يصنفون بأنهم منخفضو الأجر وبين القطاعات الخدمية الأخرى التى يرتفع فيها متوسط الأجور بنسبه تزيد على متوسط إنتاجية العاملين فيها مثل الوساطة المالية والتأمين، بينما متوسط الإنتاجية فى قطاع التشييد والبناء تزيد، ومع ذلك يحصدون الأجور الأقل، أو بين تركز الأجور المرتفعة فى بعض المحافظات وانخفاضها فى محافظات أخرى.

●●●

ولكن راح كل وزير يبحث عن أسباب للتعلل بالتأخر فى إصدار القرار، البعض منهم تعلل بقصر نظر الرأى العام الذى اختزل العدالة الاجتماعية فى قرار واحد هو الحد الأدنى والأقصى للأجور، بينما لم ير هذا الفريق أن الحد الأدنى يمثل بالفعل خطوة جوهرية على طريق العدل، لأنه ثبت أن نسبة الفقراء الذين يعملون داخل القطاع الخاص وصلت إلى 22% طبقا لجهاز الإحصاء. فعندما يكون 65% من إجمالى العاملين فى القطاع الخاص لا يزالون يتقاضون أقل من 900 جنيه فى الشهر، بينما نظراؤهم فى القطاع العام الذين يحصلون على نفس القدر لا يتجاوز عددهم 22% طبقا لأرقام جهاز الإحصاء. فهذا يعنى أن القطاع الخاص يغافل الجميع عندما يتشدق، على غير الحقيقة، بأنه يوفر فرص عمل برواتب مجزية، ويحصل مقابل ذلك على حوافز لا حصر لها من الدولة. بينما هو يحرم الملايين من العمال لديه من حقهم فى أجر عادل يماثل حتى أقرانهم فى القطاع العام.

وهذا ما يشير إليه بوضوح خبراء مؤتمر التجارة والتنمية (الأونكتاد) والذين أطلقوا تقريرهم عن عام 2013 منذ أيام بالقاهرة. وأكدوا فيه أن دخول القطاع الخاص فى الدول النامية فى منافسة على تقليل كلفة عنصر العمل، عن طريق الضغط على أجور العمال، من أجل إنتاج سلع رخيصة بغرض التسابق فى أسواق التصدير، ما هو إلا سباق إلى الهاوية.

وقالوا إن هذا من شأنه أن يؤدى إلى سوء توزيع الدخول والذى كان سببا من أسباب الأزمة العالمية فى عام 2008. وإن رفع أجور العاملين سوف يزيد من استهلاك الأسر، وهو ما يدفع نحو تحقيق النمو. لأن استهلاك هؤلاء يرتفع كثيرا فور زيادة دخولهم لأنهم محرومون من «نعمة» الاستهلاك، بعكس الأغنياء الذين يدخرون أى زيادة فى دخولهم لأنهم لا يعانون من «نقمة» الحرمان.

بينما البعض الأخر من المسئولين كان أكثر عملية فتعلل بأن الحد الأدنى سوف يكلف الموازنة ما بين 10 مليارات جنيه فى حالة زيادة الحد الأدنى إلى 850 جنيها، وإلى 24 مليار جنيه إذا ما جاء الحد الأدنى عند 1000 جنيه، وهو ما يجعله يخشى على عجز الموازنة. بينما لو صدقت نوايا الحكومة لاستطاعت بالفعل توفير المليارات من التطبيق الصارم للحد الأقصى للأجور على العاملين لديها، مما يغطى نسبة كبيرة من تكلفة تنفيذ الحد الأدنى، وضبط المتجاوزين لهذا الحد له أكثر من طريقة. أولها الاهتمام بتقارير جهاز المحاسبات خاصة تلك المتعلقة بميزانيات الشركات الخاصة التى يساهم فيها المال العام. حيث إن هذه الشركات منجم ذهب لكبار الموظفين، وقيادات الحكومة من أهل الحظوة والقريبين من دوائر الحكم والحكام، حيث إنهم يقومون بالحصول لأنفسهم على نسبة من أرباح الشركات، التى يساهم فيها المال العام وذلك بالمخالفة للقانون. حيث ينص القانون 85 لعام 1983 على أن الأموال، التى يحصل عليها الموظف الذى يمثل المال العام سواء كانت أرباحا أو مكافآت أو رواتب لا تخصه بصفة شخصية، ولكنها من حق الدولة، وهى بالملايين.

ولو أرادت الحكومة أن تضبط رجالاتها متلبسين بتجاوز الحد الأقصى للأجور فما عليها إلا أن تراجع ميزانيات الهيئات لأنها ببساطة ستجد أن معظم أعضاء مجالس الإدارات يتعدون حاجز الستة أصفار. وذلك لأن اللوائح تعطى لمجالس الإدارات تحديد المكافآت لأعضائها. ولنا فى الهيئة القومية لجودة التعليم أسوة سيئة. وأيضا بند المستشارين الذى يكفى وحده لحل جانب كبير من الحد الأدنى.

●●●

أما عن التخوف من تطفيش الكفاءات من الحكومة فهذا حق يراد به باطل. لأن القطاع الخاص لن يستطيع أن يستوعب كل أصحاب الكفاءات الذين زاد عددهم بشكل كبير مع أتساع الجامعات الأجنبية فى مصر، وازدياد عدد من حصلوا على شهادات من أرقى الجامعات الأجنبية فى الخارج. وهو ما يجعل العرض يتزايد عاما بعد عام. ولو أن سابق خبراتنا مع أصحاب الكفاءات العلمية لم تكن مبشرة أبدا. فقد تحملت ميزانية الدولة أعباء بالملايين ايام الرئيس المخلوع مبارك كرواتب لأقارب ونسايب وأبناء الوزراء وقيادات الحزب الوطنى بدون حد أقصى، فلم نجنِ من هذه الكفاءات سوى انهيار المعبد على رءوسنا جميعا.

كما تطوع آخرون فى الحكومة نيابة عن رجال الأعمال بالتعبير عن تخوفات البيزنس من تطبيق الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص. وذلك استجابة لحملات الترهيب، التى يلوح فيها المستثمرون بكارت العمالة التى يمكن الاستغناء عنها أو غلق المصانع لو أصرت الحكومة على تنفيذ حد أدنى مرتفع. بينما لم يكلف أحد من الوزراء نفسه بإشهار كارت دعم الطاقة أو دعم الصادرات الذى يحصل عليه رجال الأعمال، أو إعفاءات أرباح البورصة للشركات المقيدة فى سوق المال. أو التهديد بضرائب تصاعدية، أو تشغيل المصانع ذاتيا إذا أقتضت الضرورة. خاصة أن تقرير (الأونكتاد) الأخير ينصح حكام الدول النامية بفرض ضرائب تصاعدية، وضرائب على الثروة والميراث، وأيضا على الشركات متعددة الجنسيات ويعتبرها أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية المنقوصة، والتى كان غيابها سببا للأزمات وللثورات أيضا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved