لا مصالح مشتركة بين العرب وإسرائيل

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 18 سبتمبر 2015 - 7:25 ص بتوقيت القاهرة

جوهر التحالف كإحدى صور العلاقات بين الدول ينصب حول الاعتقاد بوجود مصالح تجمع بين أطرافه، أو مخاطر تهددهم معا. من هنا يندفع بعض العرب (نظما وحكاما وأفرادا) للاعتقاد أن هناك مصالح مشتركة تجمعهم بإسرائيل نتيجة ما يرونه من أهداف ومخاطر تجمع بينهما. خطورة هذا الاقتراب حقيقة أنه لا توجد أى مصالح مشتركة بين العرب وإسرائيل على الرغم مما يعتقد البعض، وتؤدى نظرة سريعة على أدبيات الفكر السياسى الإسرائيلى للكشف أن جوهر علاقات إسرائيل مع العرب أقرب للمعادلة الصفرية، فما ينفع العرب يضر بإسرائيل وما يفيد إسرائيل يضر حتما بالعرب عاجلاً أو آجلاً.

وفى نفس الوقت تنشغل فيه تل أبيب وواشنطن ومن ورائهم دول عربية فى الحديث عن تفاصيل مختلفة لهذا التحالف، يُستبعد، وينغلق المجال أمام الحديث عن جوهر صراعات الشرق الأوسط وأصله المتمثل فى «احتلال إسرائيلى للأراضى العربية». ويكاد تنسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب أصل الصراع، وهو ما يعنى إنجاح استراتيجية إسرائيل فى إقناع العرب أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية» وأن قضايا المنطقة اليوم لا علاقة لها بإسرائيل من بعيد أو قريب.

***
ولا تترك دوائر مختلفة داخل العاصمة الأمريكية فرصة إلا وتُنظِر لمقولات على شاكلة أن «هناك الكثير من المصالح تجمع إسرائيل بالدول العربية المعتدلة». ومن ناحيتهم يُكرر المسئولون الإسرائيليون بالطبع وجود هذه المصالح المشتركة بطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة. وخلال السنوات الخمس تم استغلال أربعة أحداث رئيسية أولها ربيع العرب الديمقراطى الذى بدأ فى ديسمبر 2010، وثانيها العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة فى صيف 2014، ثالثها ظهور وتمدد تنظيم الدولة فى سوريا والعراق، وآخرها الاتفاق النووى بين إيران والدول الكبرى الست، بطريق مبتكرة توحى بصلابة المصالح المشتركة، وتزعم جدية المخاطر التى تجمع معسكر الدول العربية المعتدلة الذى يضم مصر والاردن ودول الخليج العربى من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى. وتستغل إسرائيل حالة الصراع الفلسطينى بين حماس وفتح، وتستغل الصراع السنى الشيعى، وتستغل الصراع بين مريدى الديمقراطية وأنصار الثورات المضادة، من أجل إيهام بعض العرب بجدوى التحالف معها والاعتماد عليها.

ويتحدث مسئولون أمريكيون وإسرائيليون كبار عن «التحالف العربى الإسرائيلى» كواقع، وهو ما يمثل وسيلة ضغط غير مباشرة وفعالة على العقل الجمعى العربى للتأقلم على حقائق جديدة مغايرة لما أمن شر العرب لعقود. وخلال كلمة له أمام جلسة منتدى سابان لعلاقات أمريكا بالشرق الأوسط بمعهد بروكينجز، قال وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أن «هناك دولاً عربية مستعدة لصنع السلام مع إسرائيل والتحالف معها ضد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وتنظيم الدولة الإسلامية». وأضاف كيرى «أن العنف الحالى فى الشرق الأوسط أظهر وجود فرصة لتشكيل تحالف إقليمى جديد يضم إسرائيل ودولا عربية.. وأن هناك دولاً جاهزة لصنع سلام مع إسرائيل، ولديها القدرة على إيجاد تحالف إقليمى ضد حماس». ثم أكد أن «الولايات المتحدة ستكون مقصرة ومهملة إذا لم تستغل ذلك». كذلك قال الرئيس السابق للموساد، شبتاى شافيت: «إن إسرائيل باتت أكثر تحمسا تجاه تبنى قضية مشتركة مع الدول العربية السنية فى منطقة الشرق الأوسط التى أصابها التوتر والقلق إثر انفتاح الغرب على خصمنا المشترك، إيران، وتوصل الدول الست الكبرى إلى اتفاق نووى معها». وأضاف: «صارت هناك نافذة من الفرص أمام إسرائيل لتشكيل نظام جديد وتحالف مناهض لإيران يضم الدول السنية بالشرق الأوسط. الدول السنية مثل مصر والأردن ودول الخليج تشارك إسرائيل شكوكها حول إيران، مما يعطى إسرائيل عضوية فعلية فى المعسكر المعتدل العربى».

***
لكن الصدمة الحقيقية تأتى من جانب حكام عرب ومسئولين كبار يتبنون نفس الخط الصادر من تل أبيب وواشنطن. فقد شهدت مدينة نيويورك منذ عام تقريبا لقاء تعارف مغلق جمع حاكم عربى بقادة منظمات يهودية، إضافة لعدد من كبار المفكرين وخبراء شئون الشرق الأوسط من عدة مراكز أبحاث أمريكية، نادى خلالها الحاكم بضرورة استغلال الإدارة الأمريكية لحالة الضعف العربى غير المسبوق، والانقسام والتشتت الفلسطينى من أجل إنهاء قضية فلسطين. وقال ذلك الحاكم إن العرب، حكومات وشعوب، مشغولون بدرجة كبيرة بشئونهم الداخلية الضيقة سواء كانت تلك تبعات للربيع العربى أو تبعات ظهور وتمدد تنظيم الدولة، وهو ما سمح بتلاشى الاهتمام الشعبى والحكومى الرسمى بالشأن الفلسطينى. وذَكر الحاكم العربى الحاضرين بأن الدول العربية المعتدلة ستضغط على الفلسطينيين للقبول بدولة تقدمها وتعرفها وتصمم حدودها إسرائيل. ونصح الحاكم الحاضرين بضرورة استغلال فرصة الوضع العربى الراهن، وبسرعة استغلال هذه الفرصة الفريدة لمنح الفلسطينيين ما يشبه الدولة لأن لا أحد يضمن ما سيأتى به الغد.

وقبل أسابيع جمع مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن بين مسئول إسرائيلى رفيع هو دور جولد، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، باللواء السعودى المتقاعد أنور عشقى، الذى يرأس حاليا مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة. وتحدث عشقى عن مشاكل الشرق الأوسط وكأنه أحد أركان حكومة بنيامين نتنياهو! الاستثناء الوحيد كان مطالبته بضرورة منح الفلسطينيين دولة.

***
عملية دمج إسرائيل الجارية حاليا هى جزء مهم من عملية أكبر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ويسمح العرب بأن يكونوا مفعولا به حيث تسهل الصراعات المحلية مثل الفلسطينية (حماس ــ فتح)أو الصراع السعودى الإيرانى، أو الصراع بين قوى الإسلام السياسى والقوى التى تصف نفسها بالمدنية كالحال فى مصر وليبيا، من منح الآخرين اليد العليا فى تحديد واقع العرب. قبل مائة عام قامت قوى أوروبية بتقسيم المنطقة طبقا لمناطق نفوذها. وغضب العرب. واليوم تقوم القوى الخارجية بدور مدمر مستغلة حالة السيولة التى تشهدها المنطقة العربية. وتساهم الشعوب العربية فى تشكيل خريطة المستقبل فقط بدماء الآلاف من أبنائها. وسيؤدى استخدام البعض لنعرات طائفية ودينية ومذهبية، إضافة لإنكار الحريات للشعوب والتمسك بالاستبداد لتبديد أى آمال فى لعب الشعوب العربية دورا فى تشكيل مستقبلهم، وترك الباب على مصرعيه ليتحالف بعض العرب مع أعدائهم وأعداء شعوبهم.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved