الحاجة لجهد وفكر إسلامى جمعى مؤسسى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

يحار الإنسان من مواقف المؤسسات الرسمية الإسلامية والتجمعات المدنية الإسلامية من الممارسات الدينية الخاطئة والصور المتخلفة لفهم الدين. كأن لديها خوفا غامضا من الاصطدام المباشر مع الجموع التى تقوم بتلك الممارسات والإفهام.
إنها بذلك تقوم بنصف مسئولياتها وتتجنب القيام بالنصف الآخر، إذ لا يكفى أن تنطق بما تعتقده صحيح الدين، وإنما عليها مسئولية النطق الواضح الصريح بما تراه مخالفا لنصوص وروح الدين.
لنأخذ أولا موضوع الجهاد الإسلامى التكفيرى العنفى الذى أصبح أحد أخطر أمراض المجتمعات العربية والإسلامية وأحد أكبر وأخطر أسباب تراجع صورة الإسلام فى العالم كله.
إن المؤسسات الرسمية والتجمعات الأهلية المدّعية بأن عليها مسئولية دينية وأخلاقية وثقافية لحماية الدين الإسلامى لا تفعل أكثر من الاعتراض الخجول على هذه الممارسة أو النصح المتردد بشأن ذاك الفهم من خلال مؤتمرات واجتماعات تثير غبارا مؤقتا ثم ينساها الناس.
لم نسمع أو نقرأ قط شجبا وطلاقا بائنا مع مجموع الممارسات والأفهام، وليس جزئية هنا أو هناك، ولا شجبا قاطعا لما تقوم به تلك المجموعات الإرهابية من قتل وسبى ونكاح جهاد وتدمير للمدن وسرقة لثروات المناطق التى تسيطر عليها، ولا اعتبار تلك الممارسات والأفهام خروجا صريحا على نصوص وروح القرآن ومؤامرة على صورة الإسلام والمسلمين.
هذا الموقف المائع الخجول مد فى عمر تلك الظاهرة، وفى بقاء الكثيرين أنصارا لها، وفى انطفائها فى مكان لتظهر فى مكان آخر. وإلا فلو أن المؤسسات الرسمية والتجمعات الأهلية عقدوا اجتماعات مشتركة متواصلة ليخرجوا بإدانة مقبرة عن شجب الدول والمجتمعات كما أصبح عارا تاريخيا، لما كان من الممكن أن تستمر تلك الظاهرة سنة بعد سنة، بدعم من أفراد وحكومات وقوى خارجية، يقف الإسلام الحقيقى العادل النقى فى طهارته ومقاصده الإلهية الكبرى عاجزا عن الوقوف فى وجه أخطر مؤامرة جاهلة واستخباراتية على بلدان وأتباع هذا الدين الحنيف.
لكن ماهو مطلوب من تلك الاجتماعات أيضا هو أن تهب إلى أعماق الجانب الدينى من تلك الظاهرة المتمثلة فى كثير من جوانب الضعف والدس والتضادات التى يزخر بها الفقه الإسلامى، وفى الاعتقاد الخاطئ بأن الفقه جزء مقدس لا يمكن نقده أو الخروج على بعض ما جاء فيه، وفى عدم إفهام وإقناع العامة بأن الفقه هو حصيلة اجتهادات بشرية مشكورة، ولكن غير مقدسة، من قبل فقهاء عاشوا منذ قرون طويلة فى مجتمعات مختلفة بصورة جذرية عن مجتمعات الإسلام المعاصرة.
ما زال موقف الغالبية الساحقة من علماء الدين، القابعين لكل المذاهب، يتصف بالغمغمة والخوف والتردد بالنسبة لكل ما جاء فى الفقه من قراءات خاطئة المقاصد وأقوال القرآن الكريم والسنة النبوية المؤكدة بصورة قطعية، محتوى وتسلسلا، وبالنسبة لكل ما هو غير عقلانى فى ذلك الفقه، ولكل ما هو محرف من قبل بعض فقهاء القوى السياسية المتصارعة عبر القرون.
بدون المراجعة التحليلية النقدية التجاوزية لفقه الجميع سيظل بإمكان «المجانين» الحصول على أقوال أو تفسيرات فى كتب الفقه تبرر أفعالهم العنيفة التكفيرية التدميرية المتخلفة حضاريا.
***
لنأخذ ثانيا موضوع التطرف فى ممارسة مراسم عاشوراء. فتعريض الجسد لشتى الآلام والإيذاء، من مثل التطبير بالسيوف وضرب الجسد بسلاسل الحديد، قد شجبه العديد من علماء الدين الشيعة كأفراد عبر سنين طويلة. لكن سنة بعد أخرى يقلب البعض المناسبة من احتفاء بالبطولة أمام الاستبداد والظلم إلى بكائية ولطم وتنوع فى وسائل تعذيب النفس والجسد.
وكالعادة فإن من يشجعون على ممارسة التطرف ذاك يعتمدون على ما جاء فى كتاب هذا الفقيه أو ذاك من فقهاء الشيعة، مع أن هناك خلافات فى وجهات نظر علماء الشيعة حول صحة تلك الكتابات ومصادرها، كما هو الحال مع فقه السنة.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تعقد اجتماعات مشتركة بين الجهات الدينية الرسمية والجماعات الأهلية الشيعية لبحث هذا الموضوع واتخاذ موقف واضح وصريح من أية ممارسات خاطئة، ومن أية مصادر وأقوال فقهية غير مؤكدة، ومن خرافات تستند عليها بعض تلك الممارسات. هنا أيضا توجد حاجة للتفريق التام بين ما هو مقدس وما هو اجتهاد، وهو ما يسمعه الإنسان يوميا يقال من قبل بعض علماء الفقه الشيعى، لكن تنبيهاتهم ضائعة فى ساحات الضوضاء الغوغائية.
لسنا معنيين بالأساليب التعبيرية الفردية، فالجوانب النفسية والقدرات العقلية والتنشئة الأسرية تلعب أدوارا كبيرة فى تبنيها أو رفضها. لكننا معنيون بالممارسات الجمعية التى يباركها البعض، والتى يختلط فيها التراث الخاطئ أو المتخلف بالبلادات التاريخية التى ترسخت عبر القرون، وبالأهداف السياسية لهذه الجهة أو تلك، وبالأدعية والأهازيج المليئة بالغضب والتشنج والتعصب، لينقلب المشهد إلى مشهد تقسيمى طائفى تصارعى فى داخل الدين الواحد وفى أوساط الجماعة الإسلامية الواحدة.
فى المحصلة أصبح تطهير أصول دين الإسلام مما علق بها من غيبيات وخرافات واجتهادات غير صالحة لهذا الزمن، ومراجعة حقل الأحاديث النبوية الذى امتلأ بكذب الإسرائيليات ولإقحامه الانتهازى فى صراعات السياسة ليستعمل فى إلباس الفقه الاجتهادى البشرى لباس القدسية. أصبح كل ذلك وأكثر ضرورة وجودية دينية وثقافية وسياسية، تحتاج هى الأخرى إلى جهود مشتركة كبيرة، لنذكُر أنفسنا بقول الله تعالى:
«وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين».
يخطئ من يعتقد أن الوقت غير ملائم وأن التأجيل ممكن، ذلك أن هذا الدين قد أصبح فى محنة من صنع بعض المحسوبين عليه ومن تكالب قوى خارجية استعمارية وصهيونية لتهميشه وتشويهه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved