الكورونا زاد من وحل الاحتلال بلَّة فى اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة

محمود الخفيف
محمود الخفيف

آخر تحديث: السبت 19 سبتمبر 2020 - 10:24 ص بتوقيت القاهرة

فى يوم 8 سبتمبر الماضى أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تقريره السنوى عن اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وغزة) والذى واظب الأونكتاد على تقديمه للدول أعضاء الأمم المتحدة فى الخامسة والثلاثين عاما الماضية، حيث أصدر أول تقرير عام 1986، تسعة عشر سنة بعد احتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
ويفيد تقرير هذا العام أن فيروس الكورونا قد زاد من تردى الأوضاع الاقتصادية فى الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث كان يُدفع الاقتصاد المحاصر دفعا من وضع سيئ إلى وضع أسوأ قبل جائحة الكورونا. ففى عام 2019، نما الناتج المحلى الإجمالى بأقل من نقطة مئوية واحدة، وهذا ليس أفضل من العامين السابقين، فى الضفة الغربية كان النمو 1.15%، وهذا أقل معدل منذ عام 2012، فى حين فى غزة كان النمو صفرا، وذلك بعد انكماش بنسبة 7.7% فى 2017 و3.5% فى 2018.
وبالطبع أدى هذا إلى استمرار انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى وزيادة معدلات الفقر والبطالة (المرتفعة أصلا) للسنة الثالثة على التوالى، حيث واصل معدل البطالة ارتفاعه من 31% فى 2018 إلى 33% فى 2019 (45% بطالة فى غزة)، وارتفعت نسبة الفقر من أقل من 26% إلى 29% بين عامى 2011 و2017 وما زال الفقر يزداد انتشارا. وفى غزة، المحاصرة لأكثر من ثلاثة عشر عاما، يعتمد 80 فى المائة من السكان على المساعدات الدولية المتضائلة والمتقلبة، ويفتقرون إلى الأمن الغذائى والرعاية الصحية والكهرباء ومياه الشرب الآمنة.
وبالطبع كان للإجراءات التى اتخذت للسيطرة على الجائحة منذ ظهورها فى الأرض الفلسطينية المحتلة فى شهر مارس الماضى آثار اقتصادية ومالية خطيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن الخسائر الاقتصادية للجائحة تتراوح ما بين 7% إلى 30% من حجم اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة، وتختلف هذه التقديرات باختلاف الافتراضات المتعلقة بشدة الجائحة ومدة دوامها.
ولكن الأكيد أن التأثير سيكون حادا على إيرادات المالية العامة الفلسطينية، فبعد شهر من بداية تفشى الجائحة، تراجعت ايرادات السلطة الوطنية الفلسطينية من التجارة والسياحة والتحويلات من الخارج إلى أدنى مستوياتها فى عشرين عاما. وفى نفس الوقت تزداد الضغوط المالية نتيجة الإنفاق الإضافى، الناجم عن الجائحة، على الصحة والرعاية الاجتماعية ودعم القطاع الخاص.
***
وفى ظل هذه الظروف الاستثنائية، وبسبب الاحتلال، ليس لدى السلطة الوطنية الفلسطينية حيز السياسات وأدوات السياسة الاقتصادية التى تسمح لها التعامل الفعال مع تبعات التحدى الهائل الذى تفرضه الجائحة. فالحكومة الفلسطينية لا تسطيع الاقتراض من الخارج، وليس لها عملة وطنية، ولا إمكانيات سياسة نقدية مستقلة، وإيراداتها وحيزها المالى محدود ولا يمكن توسيعه. ولذلك، يضطر اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة إلى الاعتماد على المنح والتحويلات الرسمية والخاصة من الخارج، ولكنه من المتوقع أن يتراجع كلاهما فى ظل ظروف الجائحة، ويتوقع أن ينخفض دعم المانحين فى عام 2020 إلى حوالى 270 مليون دولار، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من عشر سنين. هذا مع العلم أن دعم المانحين للميزانية الفلسطينية قد اضمحل من 32% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2008 إلى 3.5% فقط فى عام 2019.
ولا يزال تسرب وضياع الموارد المالية الفلسطينية يقوض الاقتصاد ويفقر الشعب الفلسطينى، وقد سبق وقدر الأونكتاد التسرب السنوى للإيرادات الضريبية الفلسطينية إلى الخزانة الإسرائيلية بما يقرب من 4% من حجم اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة أو حوالى 18% من إجمالى الإيرادات الضريبية لحكومة دولة فلسطين.
وفى مارس 2019، بدأت سلطة الاحتلال باستقطاع سنوى جديد قدره 144 مليون دولار من الإيرادات الجمركية الفلسطينية، التى تجمعها إسرائيل نيابة عن الجمارك الفلسطينية، وتمثل هذه الاستقطاعات حوالى 4% من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتدعى إسرائيل أن هذه الاستقطاعات تعادل المبالغ التى تدفعها الحكومة الفلسطينية لأسر الشهداء والمعتقلين الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية.
وفى ظل قيود وإجراءات جائحة الكورونا، لم يحدث تغير ملموس فى الإجراءات التعسفية التى يفرضها الاحتلال، فعلاوة على أن قطاع غزة تحت حصار شبه كامل لأكثر من 13 عاما، فإن الجزء الوحيد المتصل جغرافيا فى الضفة الغربية هو المنطقة «ج» (حوالى 61% من مساحة الضفة) تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ولا يمكن للمنتجين والعمال الفلسطينيين من الوصول إليها على الرغم من أنها تحتوى على أخصب الأراضى وأوفر الموارد الطبيعية، وكذلك فالضفة الغربية مقسمة إلى جزر منفصلة بفعل أكثر من 600 نقطة تفتيش عسكرية وبوابات وطرق مخصصة حصريا للمستوطنين الإسرائيليين. وتفيد التقديرات أن نقاط التفتيش الإسرائيلية وحدها تكلف اقتصاد الضفة الغربية ما لا يقل عن 6٪ من الناتج المحلى الإجمالى.
ومن المؤكد أن الإجراءات الإسرائيلية، والتراجع فى دعم المانحين، وما ترتب على ذلك من ضعف فى الأداء الاقتصادى، قد أدت إلى تدهور كبير فى الظروف الاجتماعية والاقتصادية فى الأرض الفلسطينية المحتلة.
***
وبالإشارة إلى المستوطنات الإسرائيلية فقد أفاد تقرير الأونكتاد إلى أنه بنهاية عام 2018 كان هناك 150 مستوطنة و128 بؤرة استيطانية فى الضفة الغربية، وفى عام 2019 ومطلع عام 2020، قامت قوة الاحتلال بتسريع وتيرة بناء المستوطنات رغم أنها ليس لها أى سند فى القانون الدولى. وبهدف التوسع الاستيطانى، يجعل نظام التخطيط العمرانى الإسرائيلى من المستحيل تقريبًا على الفلسطينيين الحصول على تصاريح للبناء فى أراضيهم لأى غرض. وبالتالى، يضطر الفلسطينيون إلى البناء دون تراخيص مما يعرضهم لخطر الهدم العقابى لمبانيهم وعلى نفقتهم الخاصة. وفى عام 2019، هدمت إسرائيل أو استولت على 622 مبنى فلسطينيًا فى الضفة الغربية، بما فى ذلك 127 مبنى مخصصًا للمساعدات الإنسانية.
وكذلك يشمل عنف المستوطنين الإسرائيليين اقتلاع وتخريب أشجار الزيتون وسرقة المحاصيل، حيث تفيد بعض التقارير أنه من عام 2000 وحتى عام 2019 بلغ عدد الأشجار الفلسطينية التى دمرها واقتلعها الاحتلال ومستوطنوه مليون شجرة مثمرة.
وقد أكد تقرير الأونكتاد على أنه وفقا لقرارى مجلس الأمن 2334 و476 فإن المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولى. وحذر التقرير من أن ضم الأراضى الفلسطينية المقام عليها المستوطنات إلى إسرائيل، والذى أعلن عنه من قبل الحكومة الإسرائيلية، سيوجه ضربة قاضية لإمكانية حل الدولتين ويقوض آفاق السلام فى المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved