أردوغان حقق المستحيل!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 18 أكتوبر 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

صحيفة الجارديان البريطانية كانت موفقة للغاية حينما قالت منتصف الاسبوع الماضى إن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان قد حقق ما اعتقد الجميع أنه أمر مستحيل وهو توحيد جميع الدول الإقليمية والقوى المتنافسة ضده، بسبب ما يعتبروه خطوة متهورة ومزعزعة للاستقرار.
أردوغان كما تقول الصحيفة البريطانية «كان يروج عن نفسه طوال الـ١٦ عاما الماضية، أنه رجل واحد ضد العالم، والآن تحققت نبوءته فهو يقف ضد العالم كله بمفرده حقا»!!
ما الذى يدفع أردوغان لأن يقف فى وجه كل العالم تقريبا ويغزو شمال سوريا بهذه الصورة محاولا تغيير الطبيعة السكانية للمنطقة؟!. هذه السطور كتبتها قبل الاتفاق الأمريكى التركى على اخراج وحدات حماية الشعب التركية من الشريط الحدودى مساء الخميس الماضى وهو اتفاق لا يغير من جوهر ما يحدث كثيرا.
أعود للسؤال واقول انه لا توجد إجابة واحدة بل ربما هناك أكثر من اجابة.
اولا اردوغان يسعى إلى الزعامة الشخصية، وهو أمر واضح فى العديد من تصرفاته فى السنوات الأخيرة. ويبدو انه يحرص على أن يدخل التاريخ من باب السلاطين العثمانيين العظام، وربما يسعى لاستعادة ما يعتقد أنه الخلافة الإسلامية التى ألغاها مصطفى كمال اتاتورك عام ١٩٢٣ لكى يصبح خليفة المسلمين، حتى لو كان ذلك من بوابة جماعة الإخوان المسلمين وكل قوى الإسلام السياسى.
سبب آخر وهو البرجماتية والنفعية. هو تاجر كثيرا بأنه استضاف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سورى. وأن بلاده تحملت عشرات المليارات من الدولارات بسببهم. هؤلاء اللاجئون صاروا ورقة انتخابية مهمة تستخدمها المعارضة ضد أردوغان وحزبه العدالة والتنمية خصوصا فى اسطنبول، التى فاز محافظها المعارض بالضربة القاضية فى الانتخابات البلدية مرتين متتاليتين فى حوالى الشهر ضد مرشح اردوغان وحزبه.
إقامة المنطقة العازلة فى شمال شرق سوريا بعمق ٣٢ كيلومترا وبطول يصل لمائة كيلومتر، سيضمن لأردوغان تحقيق هدفين استراتيجيين، الأول التخلص من أكبر قدر ممكن من اللاجئين السوريين، بتوطينهم فى هذه المنطقة، والثانى توجيه ضربة قاصمة للمقاتلين الأكراد حيث يعتبرهم ارهابيين وإبعادهم عن الحدود، لضمان عدم إقامة كيان ذاتى مستقل قد يؤدى إلى زيادة طموحات أكراد تركيا، الذين يشكلون هاجسا لكل القوى السياسية هناك.
سبب آخر بسعى اليه اردوغان وهو تحويل هذه المنطقة ومعها إدلب وغالبية الشريط الحدوى إلى دويلة مصنوعة وعازلة تضم القوى السورية المؤيدة لتركيا فقط، وبالتالى التحكم فى هذه المنطقة تماما، وإمكانية إعادة استنساخها فى أماكن أخرى مثل منطقة كردستان العراقية، رغم أن الأخيرة تقيم علاقات قوية مع أنقرة.
قد يسأل البعض، ولكن إقامة المنطقة العازلة بالمواصفات الأردوغانية يعتبر إخلالا بالتركيبة السكانية ويرقى إلى جريمة الحرب، والاجابة انه ومع أنصاره لا يعيرون هذا الأمر اهتماما فى ظل محاولة اللعب على المصالح الدولية المتناقضة.
صحيح أن العالم كله ضد أردوغان، لكن حتى هذا العالم مستعد للتكيف مع هذا العدوان إذا شعر أنه قد يستفيد منه.
الحكومة السورية نفسها ورغم تضررها الشديد من العدوان وادانته بشدة لكنها سعيدة وهى ترى الأكراد الذين تحالفوا مع أمريكا وإسرائيل ضدها، يكتشفون أن من وظفهم قد «خانهم وباعهم» بلا ثمن خصوصا المسلحين منهم.
موقف الرئيس الأمركى دونالد ترامب شديد التناقض ويرسل إشارات متضاربة كل لحظة. هو من اعطى الضوء الاخضر لاردوغان كى يغزو شمال سوريا وفى نفس الوقت يهدده كل لحظة بتدمير اقتصاده اذا تجاوز الحدود دون ان يخبرنا ما معنى تجاوز الحدود تفصيلا، وفى النهاية يصل معه إلى اتفاق يحقق فيه اردوغان معظم اهدافه. روسيا قد تكون سعيدة بزيادة الفراق بين تركيا وكل محيطها وكذلك مع أوروبا وأمريكا، بما يجعلها ترتمى أكثر فى الأحضان الروسية، وكذلك إخراج أمريكا من العراق وربما المنطقة بأكملها، ويلاحظ فى هذا الصدد التقارب الروسى مع الخليج فى ظل زيارة فلاديمير بوتين الأخيرة لكل من السعودية والإمارات. وبوتين يقدم نفسه للمنطقة باعتباره الرجل الذى لا يخون اصدقاءه وحلفاءه مقارنة بترامب.
أوروبا قد لا تملك الكثير لتفعله مع أردوغان مقارنة بأمريكا، باستثناء العقوبات الاقتصادية، لكنها لم تتخذ موقفا عمليا حينما تحرشت تركيا بقبرص الأوروبية، وبالتالى يسأل البعض، هل ستتحرك أوروبا ضد تركيا من أجل سوريا التى لا يوجد بها نفط كثير أو غاز أو حتى تاريخ مشترك؟!
المؤكد أن أردوغان ارتكب خطأ قاتلا بغزوه للأراضى السورية، لكن المؤكد أن هناك مفاجآت متعددة سوف تشهدها المنطقة فى المرحلة المقبلة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved