ما تدعو له أجراس طوفان الأقصى
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
هناك أحداث ومواقف تكشف وتفصل الحق من الباطل والزيف من الحقيقة، وترفع عن الوجوه أقنعة الكذب. هذا ما أظهرته سيرورة بطولات «طوفان الأقصى» وجنون وجرائم ردود الأفعال الصهيونية ومسانديها من دول الغرب الاستعمارية ومن بعض العرب المخدوعين.
فأولا، تبين أن كل رذيلة أخلاقية مارسها الإعلام الغربى فى تعامله مع تقييم الصراع فى أوكرانيا، كذبا وخلطا لأنصاف الحقائق، وسكبا لدموع التماسيح، ورفعا لشعارات انتهازية لتجهيل مواطنيهم ومواطناتهم بما حدث ويحدث فى الواقع الأوكرانى، عاد هذا الإعلام ومارسه بكل حذافيره وتلاعباته فى المشهد الفلسطينى. فمثلا، اعتبر أن أخذ ولد إسرائيلى كرهينة وإخفاءه فى مكان آمن فى غزة جريمة إنسانية تدل على حيوانية ودموية المناضل الفلسطينى، وبالتالى العربى، أما موت وتشويه وحرق مئات الأطفال الفلسطينيين تحت أنقاض مئات المبانى فى غزة المحاصرة فهو دفاع عن النفس مبرر فى عيون هذا الإعلام الذى لا يتعب ولا يمل عبر القرون من ممارسة الكذب والتلاعب بالألفاظ من أجل خدمة مموّلية وموجّهية من أصحاب المال والجاه والنفوذ. نقيس على ذلك فى تعامل هذا الإعلام مع عشرات ألوف جرائم القتل والتهجير التى ارتكبت فى فلسطين المحتلة عبر خمس وسبعين سنة، ووصلت قمتها فى غزة المدمرة المُجوعة المحاصرة.
لسنا وحدنا الذين نقول ذلك، إذ إن ألوف الكتاب الغربيين المنصفين الشرفاء قد كتبوا ألوف الكتب عن هذه الظاهرة المسلكية الانحيازية غير الأخلاقية فى ساحات إعلامهم وفى تصرفات حكوماتهم وبرلماناتهم ذات الوجهين المتناقضين.
كمثل مخجل آخر، ما سمعناه منذ بضعة أيام من فم وزيرة الداخلية البريطانية ورئيسها بأن رفع العلم الفلسطينى جريمة سيعاقب عليها بالحبس خمس سنوات، أو ما ظل يردده المسئولون الفرنسيون من أن انتقاد ما يقوم به الكيان الصهيونى فى غزة المحاصرة من حرق للأرض ومن عليها سيعتبر معاداة للسامية، والتى هى الجهات ذاتها التى لا تبقى كلمة تحقير للإسلام والمسلمين إلا ترددها ليل نهار تجاه حوادث فردية لا يقبل بها الإسلام ولا المسلمون.
ثانيا، اتضح بأنه ما لم تعد أنظمة الحكم العربية إلى أساس المأساة الفلسطينية، فى حدها الأدنى على الأقل، والتى تمثلت فى المبادرة العربية التى أقرتها جامعة الدول العربية منذ ربع قرن بطلب من الشقيقة المملكة العربية السعودية آنذاك، فإننا جميعا سنظل ندور فى حلقات مفرغة حسبما يقرره هذا القطر العربى أو ذاك أو الكيان الصهيونى من تلاعبات وأكاذيب وحيل شيطانية، وحسبما يتلاعب به عرّابه الأمريكى، مهما كان الحزب الذى يحكمه ومهما كان الرئيس الذى يقوده.
ما زال، لو وجدت الشجاعة ووجد الكبرياء ووجدت الأريحية تجاه شعب فلسطين العربى وتجاه هذه الأمة المهانة، بالإمكان الدعوة لعقد قمة عربية تقولها بصوت عالٍ بأن جميع أنظمة الحكم العربية لن تقبل على الإطلاق إلا بالمبادرة العربية بكل تفاصيلها، وأنها دون تحقيقها التام الكامل ستوقف كل خطوات التطبيع والاتصالات والعلاقات مع الكيان الصهيونى.
هذا هو الحد الأدنى الذى يمكن أن تقبله الشعوب العربية كاستراتيجية عربية مؤقتة، إلى أن تحين ساعة تحرير الأرض العربية من كل وجود صهيونى، طال الزمن أو قصر.
ثالثا، يبقى الموضوع الأساسى الذى آن أوان التعامل معه بجدية تامة وبعيدا عن بلادات وسخافات الماضى. الموضوع يتلخص فى هذه الخطوة: ضرورة أن تنادى مجموعة من الأحزاب العربية والنقابات واتحادات الجمعيات المهنية وحقوق الإنسان والجمعيات النسائية والأهلية وعدد من الأفراد الناشطين فى ساحات النصال القومى كمفكرين أو قادة أو مناضلين.. تنادى هذه المجموعة العربية فى الحال لتكوين نواة كتلة تاريخية تضامنية تنسيقية، فى حدها الأدنى، من أجل الموضوع الفلسطينى حاليا، ومن أجل بناء تيار كبير يتبنى استراتيجية المساهمة الفاعلة المستمرة فى الواقع العربى برمته مستقبلا، وذلك من أجل إخراج هذه الأمة من الجحيم الذى تعيشه، ومن الإذلال الاستعمارى والصهيونى الذى يتلاعب بها، ومن التمزق الذى أصاب آمال هذه الأمة فى وحدتها وتحررها ودخولها كمساهم فاعل فى خضم هذا العصر وتطوراته.
هذا الوضع الذى قاد إلى أن يتلاعب كل من هب ودب بهذه الأمة، ونراه يوميا فى بكاء أطفال ونساء ورجال وشيوخ هذه الأمة وفى قتل وسجن شبابها أصبح عارا يكلّل جبين الجميع دون استثناء وأصبح من مسئوليات الجميع.
أجراس طوفان الأقصى يجب أن يسمعها الجميع، ويستجيب لدعوتها الجميع، وتكون إنهاء لفترة تيه وضعف وهوان وذل دخلتها الأمة فى الخمسين سنة الماضية وآن أوان الخروج منها.