هل تتحقق الديمقراطية بمجرد إجراء الانتخابات؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

أخيرا حسم رئيس الجمهورية الأمر بإعلانه أن الانتخابات البرلمانية ستجرى، وتنتهى فى الربع الأول من العام المقبل، واضعا بذلك نهاية للتوقعات والشائعات التى ملأت الساحة طوال الأشهر الماضية. وتأتى أهمية إجراء الانتخابات ــ كما هو معروف ــ من أنها تستكمل خارطة الطريق المعلن عنها فى يوليو ٢٠١٣ (بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور فى ١٥ يناير ٢٠١٤ ثم انتخاب رئيس الجمهورية فى ٣ يونيو ٢٠١٤)، كما أنها تستوفى الركن المتبقى من البنية الدستورية للبلاد، وتضع نهاية لسلطة التشريع الاستثنائية التى يتمتع بها رئيس الجمهورية، وتتيح للشعب اختيار ممثليه للمرة الأولى منذ حل مجلس الشعب الأخير فى ١٤ يونيو ٢٠١٢. لكل هذه الأسباب فإن إجراء الانتخابات البرلمانية لابد، وأن يعتبر الخطوة الأهم على طريق العودة للمسار الديمقراطى.

ولكن الواقع أن الموضوع ليس بهذه البساطة. صحيح أن الانتخابات البرلمانية، فى أى بلد فى العالم، هى التعبير الأسمى عن الالتزام بالديمقراطية، إلا أن العبرة ليست بمجرد اصطفاف الناس أمام صناديق الاقتراع واختيار المرشحين وإعلان النتائج. هذه أمور ضرورية، لكى تكون هناك انتخابات أصلا، ولكنها ليست كافية لكى يُقال إننا بصدد ديمقراطية بالمعنى الحقيقى. هناك مناخ عام وإطار واسع من القوانين والنظم والضوابط والحقوق التى يجب أن تجرى فيها الانتخابات لكى تكون بالفعل حرة ونزيهة، ولكى تحقق الغرض منها. لذلك، فإن كنا نرغب فى أن تكون الانتخابات المقبلة خطوة على طريق الديمقراطية، فيجب إصلاح وترميم العناصر الرئيسية فى هذا الإطار الأوسع.

هذا الإطار معروف وهناك اتفاق واسع بين القوى السياسية حول عناصره الرئيسية: فيما يخص الانتخابات، يلزم تعديل القانون لكى تكون انتخابات القوائم نسبية وليست مطلقة، كما يلزم وضع ضوابط قابلة للتطبيق بشأن تمويل الدعاية الانتخابية، ومنع استخدام دور العبادة فى العمل الحزبى، ووضع قانون سليم لتقسيم الدوائر، وتحديد جدول زمنى واضح للانتهاء من العملية الانتخابية بأكملها. وأما فيما يتعلق بالإطار الأوسع الذى تجرى فيه الانتخابات فيلزم إلغاء أو تعديل القوانين الاستثنائية والمخالفة للدستور الصادرة فى الفترة الأخيرة، وعلى رأسها قانون التظاهر، والقانون رقم ١٢٨ لسنة ٢٠١٤ (قانون الأشياء الأخرى)، كما يلزم وقف تهديد المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، ووضع سياسة للتعامل مع الاضطرابات الجامعية أفضل من مجرد الاعتماد على شركات الحراسة وطرد الطلاب المشتبه فيهم. كذلك يجب وضع ميثاق الشرف الإعلامى، الذى طال انتظاره وضمان التزام وسائل الإعلام به. وفى كل الأحوال فلابد من بدء الحوار حول المصالحة الوطنية الشاملة، التى تسعى لاستيعاب كل القوى السياسية التى تعترف بالدستور والقانون وتنبذ العنف وترفض التمييز بين المواطنين، والعمل على طى صفحة الماضى مع كل من لم يرتكبوا جرائم وفتح صفحة جديدة تتوجه للمستقبل.

ولكن إن كان هناك بالفعل اتفاق على ما سبق بين القوى السياسية وداخل قطاع متزايد من الشعب المصرى وحتى لدى بعض الدوائر الرسمية، فما الذى يمنع تحققه؟ هل هو الإرهاب المستمر الذى يجعل الحديث عن الديمقراطية يبدو ترفيا وفى غير وقته؟ أم الضجر الذى أصاب المواطنين من الحديث حول الشأن السياسى فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة؟ أم أن هناك من لديهم مصلحة فى استمرار حالة التوتر والانقسام فى المجتمع حتى يمكن إعادة عقارب الساعة للوراء واسكات الأصوات المحتجة وتصفية الحساب مع الشباب الذى قام بالثورة؟ أم مجرد الخوف من رد الفعل الإعلامى حيال من يقترب من موضوع التهدئة والمصالحة الوطنية المحفوف بالمخاطر؟ كل هذه اعتبارات حقيقية ولا يمكن تجاهلها. ولكن التعامل معها لا يكون بالسكوت على تشويه الانتخابات القادمة وإفراغها من مضمونها، بل بالإصرار على أن الدفاع عن القانون والدستور هو التعبير الحقيقى عن رفض الإرهاب، وأن الديمقراطية لا تتعارض مع التنمية الاقتصادية بل تدعمها، وأن محاولة الرجوع للماضى مستحيلة، وأن مصلحة الوطن لن تتحقق إلا بالمصالحة الوطنية الشاملة مع كل قوى وفئات المجتمع التى تحترم القانون وتنبذ العنف. علينا أن نحسم أمرنا، إما انتخابات حقيقية وعودة تدريجية للمسار الديمقراطى، وإما الإصرار على عقدها فى غياب الضمانات القانونية للازمة والتوافق المجتمعى المطلوب فتكون النتيجة هى قطع خطوة أخرى فى خارطة الطريق ولكن دون تحقيق أى تقدم يذكر فى استعادة المسار الديمقراطى ولا بناء الدولة مؤسسيا.

ولنتذكر أن الحكم الإخوانى بدأ بانتخابات حرة، تضمنت كل مظاهر العملية الديمقراطية، ولم يشوبها تدخل واضح أو تزوير ثابت، ولكن سرعان ما فقد هذا الحكم الشرعية والقبول الجماهيرى، حينما اعتبر أن صناديق الاقتراع هى المعيار الوحيد للديمقراطية وأن الفوز فى الانتخابات يبرر الاعتداء على الدستور وعلى استقلال القضاء وعلى حرية الإعلام وعلى حقوق الأقليات. هذا الفهم الخاطئ للديمقراطية وتجاهل الإطار العام الذى يجب حمايته واحترامه هو ما عجل بانهيار الحكم الإخوانى، وجعل الناس تثور عليه وتسقطه، كما أسقطت حكم مبارك حينما تحولت انتخابات ٢٠١٠ إلى مسرحية سخيفة ليس فيها من مظاهر الديمقراطية إلا الصناديق والحبر الفوسفورى واللافتات الدعائية. ألا تكفى هذه الدروس، أم يلزم أن نرتكب ذات الأخطاء كل مرة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved