النزاعات المسلحة وتغير المناخ

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الجمعة 18 نوفمبر 2022 - 6:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب خالد صلاح، تناول فيه العلاقة بين التغيرات المناخية والنزاعات المسلحة، وما إذا كانت علاقة سببية أم علاقة ارتباط... نعرض من المقال ما يلى:
تتفاقم مشكلة التغيُّر المناخى ويزيد تأثيرها مع وجود نزاعات مسلّحة، يتأثّر بها ملايين الناس حول العالَم. ولكن ما علاقة التغيُّر المناخى الذى يشهده كوكب الأرض بالنّزاعات المسلّحة؟ وهل من ارتباطٍ بين ارتفاع حرارة الأرض وازدياد حدّة المعارك فى بعض مناطق عالَم اليوم؟
لا يتّفق الخبراءُ فى الغالب حول العلاقة بين التغيّرات المناخيّة والصراعات المسلّحة، وتتراوح الرؤى المطروحة بين التهويل والتهوين. ففى الوقت الذى اتّجهت فيه دراساتٌ عدّة إلى الربْط المباشر بين التغيّرات المناخيّة والصراعات والحروب، اتّجهت دراساتٌ أخرى إلى نفى وجود علاقة مباشرة، مستندة فى ذلك إلى أنّ الصراعات غالبا ما تكون محصّلة للعديد من العوامل المُهيِّئة والأكثر أهميّة وحسما فى تعزيز وجودها، وبالتالى فإنّ العلاقات بين تغيُّر المناخ والصراع والهشاشة ليست علاقات بسيطة وخطيّة، والآثار المتزايدة لتغيُّر المناخ لا تؤدّى تلقائيّا إلى مزيدٍ من الهشاشة والصراع، بل يمكن القول إنّ تغيُّر المناخ يُضاعف التهديد، أى إنّ التغيّرات المناخيّة عندما تتفاعل وتتلاقى مع المخاطر والضغوط الأخرى الموجودة فى سياق معيّن يُمكن أن تزيد من احتمالات الهشاشة أو الصراع العنيف.
•••
اتّجهت دراساتٌ متعدّدة للربط بين التغيّرات المناخيّة وتفجُّر الثورات العربيّة، وهو ما تؤكّده دراسة «الربيع العربى والتغيُّر المناخى» الصادرة عن مركز المناخ والأمن فى واشنطن فى العام 2013، حيث دَفَعَ إخفاق بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى تلبية الاحتياجات الأساسيّة للمواطنين والتصدّى لمَوجات الجفاف والتصحُّر ونقْص إمدادات الطّاقة إلى المُشاركة فى الاحتجاجات السياسيّة.
وقد شكَّك الكثيرون فى نتائج الدراسات، وإمكانيّة الربط المباشر بين التغيُّر المناخى ودَوره فى إحداث نزاعات مسلّحة، إلّا أنّ هناك اتّفاقا عامّا على وجود علاقة (على أدنى تقدير) غير مباشرة بين التغيُّرات المناخيّة والصراع، وأنّ هذا التأثير يتصاعد فى حال توافُر عوامل أخرى مهيِّئة مثل الفقر، وانخفاض معدّلات التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فالعلاقة بين التغيُّرات المناخيّة والصراع هى علاقة ارتباط وليست علاقة سببيّة.
•••
تتعرَّض البيئة الطبيعيّة فى كثير من الأحيان للهجوم أو تلحق بها أضرارٌ مباشرة جرّاء النّزاع المسلَّح والصراع. ويُمكن أن تؤدّى الهجمات إلى تلوُّث المياه والتربة والأراضى، أو إطلاق الملوّثات فى الهواء. ويُمكن أن تلوِّث المتفجّرات، النّاتجة عن مخلّفات الحرب، التربة، ومَصادر المياه، وأن تضرّ بالحياة البريّة، ما يحدّ هذا التدهور البيئى من قدرة الناس على الصمود والتكيُّف مع تغيُّر المناخ. كما يُمكن أن يُسهِم النزاع أيضا فى تغيُّر المناخ؛ فيُمكن أن يكون لتدمير مساحات كبيرة من الغابات، أو الإضرار بالبنية التحتيّة مثل المنشآت النفطيّة أو المنشآت الصناعيّة الكبيرة، عواقب مناخيّة وخيمة، بما فى ذلك إطلاق كمّيات كبيرة من الغازات الدفيئة فى الهواء.
•••
تؤثِّر التغيّرات المناخيّة من دون شكّ على الموارد الأساسيّة لأىّ دولة، ولاسيّما الغذاء والماء، وتُسهم هذه التأثيرات فى زيادة هشاشة الدولة ومشكلات الأمن فى العديد من المناطق حول العالَم، وقد أجملت الرؤى والتحليلات التى تناولت انعكاسات التغيّرات المناخيّة على الصراع فى ثلاثة اتّجاهات رئيسة:
أولا: أن تأثير التغيُّر المناخى على المَوارد الطبيعيّة ــ مقترنا بالضغط الديموغرافى والاقتصادى والسياسى ــ يُسهم فى تقويض قدرة الدول على تلبية احتياجات شعبها وتزويدهم بالمَوارد الأساسيّة مثل الغذاء، والمياه، والطّاقة وغيرها، وهشاشة الدول وتصاعد الصراعات الداخليّة التى قد تمتدّ إلى التسبُّب فى انهيارها، ومن هنا قد يمثِّل التغيُّر المناخى تحدّيا خطيرا لاستقرار الدول وشرعيّة الحكومات.
ثانيا: غالبا ما تؤدّى تأثيرات الاحترار العالَمى إلى تغييرات جيوسياسيّة تبدو تأثيراتها بوضوح فى حال حدوثها بالمناطق الهشّة مثل القرن الإفريقى؛ فيُمكن للمَخاطر المعقّدة النّاشئة عن تغيُّر المناخ والهشاشة والصراع أن تُسهم فى ظهور التنظيمات الإرهابيّة ونموّها، حيث لا يصبح للدولة نفوذ وتفتقر إلى الشرعيّة، وفى بعض الأحيان تحاول التنظيمات الإرهابيّة سدّ الفجوة التى خلّفتها الدولة من خلال توفير الخدمات الأساسيّة من أجل الحصول على الشرعيّة، وتأمين الثقة والدعم بين السكّان المحليّين. ويصير السكّان أكثر عرضة ليس للتأثيرات المناخيّة السلبيّة فقط، ولكن أيضا للتجنيد من قِبَل التنظيمات الإرهابيّة.
ثالثا: هناك اتّفاق حول انعكاسات التغيّرات المناخيّة على مستقبل الصراعات فى العالَم؛ إلّا أنّ الخلاف هو حول حجْم هذا التأثير. وقد أشارت دراسة منشورة فى مجلّة «نايتشر» فى العام 2019، إلى أنّه مع ارتفاع درجات الحرارة العالَميّة، من المتوقَّع أن يزداد خطر النّزاع المسلَّح زيادة كبيرة، حيث توصَّلت الدراسة إلى أنّ المناخ قد أثّر على ما بين 3%، و20% من النّزاعات المسلّحة خلال القرن الماضى، ومن المرجّح أن يزداد التأثير بشكلٍ كبير فى المُستقبل. ولم يصل الباحثون حتّى الآن إلى فهْمٍ شامل لتأثير التغيّرات المناخيّة على الصراع، وظروف هذا التأثير وملابساته، بخاصّة مع وجود احتمالات تغيُّر طبيعة تلك التأثيرات المناخيّة وشدّتها فى المُستقبل مُقارنة بالاضْطرابات المناخيّة التاريخيّة.
النص الأصلى:
http://bit.ly/3gikZPS

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved