أنا والذكاء الاصطناعى فى الصين

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

عدت للتو من الصين، بعد أسبوع حافل فى شنغهاى، المدينة الساحرة التى تجمع بين أبراج الزجاج اللامعة وأصداء التاريخ القديم، حيث تشعر هناك وكأنك تعيش فى كوكب آخر يبرمج فيه التنين العالم، وفى ليالى شنغهاى المتلألئة كحرير مسجر بالبرق، يمكنك أن تقرر بوضوح أن هذه هى مدن الذكاء الاصطناعى، والذى ينفجر اليوم بطريقة مذهلة من بلد تمتد حضارته العريقة إلى 5000 عام.

عندما كنت أتأمل أبراج شنغهاى التى ترتفع كأعمدة معبد للتكنولوجيا، أدرك أن الصين ليست دولة عادية، بل هى قوة تنبض بالحيوية، تحول ترابها الذى أنجب الحرير والبارود إلى ذكاء اصطناعى.. يمكنك أن تشاهد حالة الشغف فى وجوه الباحثين والمهندسين الصينيين الذين يطورون نماذج الذكاء الاصطناعى، وكيف يقومون بتشكيل المستقبل وفقاً للحلم الصينى، ولأن الأرقام لا تكذب، فقد بلغت استثمارات الذكاء الاصطناعى فى الصين هذا العام 890 مليار يوان (125 مليار دولار)، مرتفعة 18% عن عام 2024، وبهذا تشكل 38% من الاستثمارات العالمية فى القطاع المزدهر.

فى بكين، عاصمة البحث الأساسى، تتركز 28% من الاستثمارات (249 مليار يوان)، على السيارات الذاتية والرؤية الحاسوبية، أما شنتشن، المدينة البركانية للابتكار، فتحصل على 24% (214 مليار يوان)، مع التركيز على المعالجة العصبية والتطبيقات الذاتية، وفى شنغهاى، بحر البرمجيات المتدفق كنهر اليانغتسى، تأتى 19% (169 مليار يوان)، مما يجعل المدن الثلاث تشكل 71% من الاستثمارات العالمية.

ولأنه ليس من سمع كمن رأى، فقد سألت نفسى وأنا فى قلب شنغهاى، هل ستفوز الصين فى معركة الذكاء الاصطناعى؟ ورأيت أن هناك عدة أسباب موضوعية ترجح ذلك، أبرزها هيمنة الصين البحثية بوضوح، ولنأخذ الرؤية الحاسوبية كمثال، وهو مجال يُمكّن الآلات من تفسير البيانات المرئية والتفكير فيها، وهى تُشكل أساس كل شىء، من المركبات ذاتية القيادة والروبوتات إلى التصوير الطبى والمراقبة، فى أكتوبر الماضى، عُقد المؤتمر الدولى للرؤية الحاسوبية (ICCV) فى هاواى، وهو أحد أعرق وأبرز فعاليات الرؤية الحاسوبية فى العالم، وكانت نصف الأبحاث المقدمة فى المؤتمر مقدمة من مؤسسات صينية، متقدمةً بفارق كبير على نظيرتها الأمريكية التى احتلت المركز الثانى، والتى مثّلت 17% من الأبحاث، وإذا أُخذنا فى الاعتبار المواطنون الصينيون العاملون فى الخارج، لكانت الفجوة أكبر.

وبناءً على هذا المقياس البسيط، فقد فازت الصين بالفعل، حيث تصدّرت العالم من حيث حجم وظهور أبحاث الرؤية الحاسوبية المتطورة، مما شكّل جدول أعمال أحد أكثر مجالات الذكاء الاصطناعى حيوية، وباعتقادى، فإن هذه القوة الصينية تنبع بالأساس من التخطيط الاستراتيجى طويل الأمد، ففى عام 2017، أطلقت بكين خطتها لتطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعى، وهى استراتيجية وطنية تهدف إلى جعل الصين رائدة عالميًا فى مجال الذكاء الاصطناعى بحلول عام 2030.

تُدير الحكومات الإقليمية والشركات المملوكة للدولة العديد من الصناديق التى تستثمر بالشراكة مع شركات خاصة، وتُنشئ هذه الصناديق، معًا، منظومة مالية منسقة تُمكّن من توسيع نطاق التقنيات من المختبرات إلى الأسواق بسرعة، وتستضيف مدن مثل بكين وشانغهاى وشنتشن مراكزَ حوسبةٍ ضخمةً للذكاء الاصطناعى، تُعرف باسم «مصانع الذكاء الاصطناعى»، حيث تُوفّر القوةَ الحاسوبيةَ لكلٍّ من البحثِ والصناعة، وتُطور شركاتُ التكنولوجيا العملاقة، مثل هواوى، وعلى بابا، وبايدو، وديب سيك، نماذجَ تنافسيةً واسعةَ النطاق وبدائلَ أجهزةٍ عاليةَ الأداء، ورغم أن ضوابط التصدير تحد من الوصول إلى أكثر الرقائق تقدماً، فإن الباحثين الصينيين يعملون على تحسين الخوارزميات لتحقيق أداء فعال على الأجهزة المحلية، وهى السمة المميزة للابتكار فى ظل القيود.

 

خالد رمضان

جريدة الرياض السعودية

 

النص الأصلى:

https://tinyurl.com/ceyyhw6t

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved