كرة اللهب فى صفقة القرن

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 18 ديسمبر 2017 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

وسط العديد من التساؤلات الحائرة والتكهنات المتناقضة حول «صفقة القرن»، كشفت تقارير لبنانية ما وصفته بأنه «معلومات» وليس «تحليلات» حول هذه الصفقة التى وافقت عليها العواصم العربية المعنية، بل بدأت بعضها فى تنفيذ أدوارها فيها، حيث اتخذ قادة هذه العواصم بالفعل العديد من الخطوات السياسية المهمة، دون أن تشرك فيها شعوبها، أو تضع تفاصيل هذه الإجراءات وأهدافها الحقيقية أمام الرأى العام فى دولها.

طبقا لما يؤكده رفيق نصر الله الصحفى والسياسى اللبنانى ومدير المركز الدولى للإعلام والدراسات، فإن هذه الصفقة تشتمل على ما يمكن أن نصفه بأنه رسم خريطة جغرافية وسياسية جديد للشرق الأوسط، تجعل إسرائيل مركز قيادته وصنع سياساته، طبقا لبنودها التى تتضمن:

< اقتطاع 720 كيلومترا من سيناء من رفح حتى العريش شمالا بطول 24 كيلومترا، وتمتد 30 كيلو مترا جنوبا، وضمها إلى قطاع غزة لإنشاء دويلة فلسطينية، يتم فيها إقامة مطار وميناء ومدينة تتسع لمليون لاجئ فلسطينى، مع تنازل الفلسطينيين عن 12 فى % من مساحة الضفة الغربية للمستوطنات الإسرائيلية.

< تعويض مصر عن أراضيها فى سيناء بأرض بديلة فى صحراء النقب، وإنشاء نفق ضخم تحت البحر يربطها بالأردن والسعودية، وتتولى الإشراف عليه.

< قيام فرنسا بإنشاء مفاعلات نووية على البحر الأحمر لتحلية المياه لمواجهة الأزمة المائية المتوقعة خلال العقود القليلة المقبلة.
< موافقة إسرائيل على إجراء تعديلات محدودة فى الملاحق العسكرية السرية باتفاقية كامب ديفيد تتيح لمصر دفع بعض قواتها فى سيناء.

< توطين 60 % من اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية وتعويضهم ماليا، وإيجاد روابط بين الدويلة الفلسطينية والأردن، واعتراف العرب بالقدس الموحدة الشرقية والغربية كعاصمة لإسرائيل.

للوهلة الأولى، تبدو هناك إغراءات مالية كبيرة لمصر لقبول هذه الصفقة، لكن هناك فى المقابل أخطارا كارثية يمكن أن تشعلها، أهمها أن التنازل العربى عن حقوقنا التاريخية فى فلسطين والقدس فى القلب منها، يكاد يكون هدية مجانية لإسرائيل، والتى تحتاج إلى «السلام» أكثر بكثير من الدول العربية، والذى يوفر لها بحكم تفوقها النوعى اقتصاديا وعسكريا وديموقراطيا، الحصول على المزيد من التفوق فى هذه المجالات، لتحكم قبضتها على الإقليم وتحدد مساراته السياسية والاستراتيجية بما يتوافق مع مصالحها.

كما أن تصفية القضية الفلسطينية طبقا لهذه الصفقة المشبوهة، يوفر كل المبررات للتنظيمات المتطرفة لتصعيد عملياتها الإرهابية، خاصة أنه فى ظل استمرار الأوضاع غير الديمقراطية فى الدول العربية، لن يجد معارضو هذه الصفقة سوى العنف والتطرف للتعبير عن رفضهم لها، وهو ما يجعل «السلام» مع إسرائيل فى مهب الريح، مع أية تغييرات راديكالية قد تطيح بهذا النظام العربى أو ذاك، وهو ما يقدم كل المبررات للدعم الأمريكى للاستبداد العربى إلى أجل غير معروف.

كان ينبغى على النظم العربية أن تعرض تفاصيل هذه الصفقة على شعوبها،ولماذا يقدم ولى العهد السعودى محمد بن سلمان نفسه عرابا لللصفقة عبر مشروع «نيوم» باستثماراته الفلكية، وهل له دور فى زيارة الوفد الدينى البحرينى لإسرائيل، وقبل كل ذلك كان على هذه النظم البحث عن بدائل استراتيجية لهذه الصفقة، عبر إقامة تحالفات إقليمية مع إيران وتركيا، وإسقاط القيود غير الديمقراطية على حركة شعوبها، والتمسك بإقامة دولة ديمقراطية على كامل الأراضى الفلسطينية يعيش فيها العرب واليهود جنبا إلى جنب، بدلا من كرة اللهب التى تحرق أياديها، وتهدد أجيالنا المقبلة بحرائق لا يدرك أحد مداها ولا أبعادها!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved