الشرق الأوسط.. حقل تجارب لسياسات الولايات المتحدة المتنافرة

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الجمعة 18 ديسمبر 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

لنتذكر أولى أيام الفترة الانتخابية للرئيس الراحل دونالد ترامب فى منطقة الشرق الأوسط والترحيب الذى حظى به من شعوب وحكومات المنطقة، التى لم تخفِ خيبة أملها من إدارة أوباما السابقة. وأفصح الرئيس ترامب فى أيامه الأولى عن نيته فى أن يعكس الكثير من السياسة الخارجية لسلفه فى المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان وفرض ما يصاغ بالنسبة لديمقراطية الغرب. فعلى حين عادة ما يستغل الرؤساء الأمريكيون الفترة الأولى فى التعلم والمراقبة، فإن الرئيس ترامب ــ وبما شهدناه خلال فترة رئاسته من خصائص تفرض نفسها على شخصيته وأخلاقه تتسم بالعدوانية والهجوم الفطرى والانفراد بالقرار ــ أبى الالتزام بفترة الترقب الأولى مستهدفا إظهار سلطته من اليوم الأول. واستقبلته دول الشرق الأوسط بأذرع مفتوحة لما كانت تحمله من ضغينة دفينة ضد سلفه باراك أوباما. ولم تتوان إدارة ترامب منذ اليوم الأول عن إظهار أنيابها وقامت بعقد صفقة أسلحة مع دولة البحرين، التى كان قد تم تعليقها رسميًا فى عهد الرئيس أوباما بسبب ادعاءات تتعلق بحقوق الإنسان. وبالمثل، قامت إدارة ترامب برفع التجميد الأمريكى على الفور لمبيعات العتاد والسلاح للمملكة العربية السعودية، والذى فرضه أوباما بسبب دور المملكة فى سقوط ضحايا من المدنيين فى اليمن. وعلى النقيض من أوباما، احتضن الرئيس ترامب الرئيس المصرى، الذى كان أوباما يكن له العداء لقلبه نظام حكم الإخوان المسلمين فى مصر، الذى دافعت عنه إدارة أوباما بشدة فى إطار ما أرادت فرضه من سياسات حقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكية.
***
فترة الرئيس الأمريكى ترامب ومناوراته، ودبلوماسيته، والمبالغة فى وعوده، وتضخيم أفعاله، والتى كثيرا ما كانت مخيبة للآمال، أوقعت الضرر على المنطقة أكثر مما نفعتها. ولا ندرى هل ستكون الإدارة الجديدة قادرة على تصحيح أخطاء السيد ترامب فى المنطقة، أم أن جو بايدن ــ بحكم سنه الكبير ــ سوف يمتنع عن الاقتراب من منطقتنا التى تندلع النيران منها فى كل جانب. هل جو بايدن ــ السياسى المحنك ذو الخبرة الطويلة ــ جريء بما فيه الكفاية لخوض معركة الشرق الأوسط أم أنه يفضل البقاء على هامش هذه المنطقة الملتهبة؟ على أية حال، فإن إدارة بايدن لديها ما يكفيها من مراجعة لما فعله ترامب على الصعيد الداخلى وفى الساحة الدولية.
نحن ننتظر لنرى قدرة دول الشرق الأوسط على تحريك المياه الراكدة، ومعرفة من هم الفائزون والخاسرون.. لقد كانت تداعيات رئاسة ترامب على دول الشرق الأوسط كبيرة؛ ابتداءً من «صفقة القرن» التى خرقت جميع القيم والمبادئ الدولية المتفق عليها فى صياغة حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. وتطور علاقات إدارة ترامب بالمملكة العربية السعودية، التى تعانى اليوم من تجمد هذه العلاقات إلى حد تدهورها بعدما كانت من ضمن الفائزين فى المنطقة وكان ترامب حاميها الأكبر. مرورًا بسوريا بعد أن اتبع ترامب منطقًا مغلوطًا بشنه هجوما على سوريا بغية التباهى باستمرار قوة تأثير الولايات المتحدة فى المنطقة، فيما أُثبت عكس ذلك مع إخفاق تام وصعود روسيا كقوة يُعتمد عليها من قبل دول المنطقة. امتدادا إلى فشل الإدارة الأمريكية فى التعامل مع الدولة الإسلامية واعتقادها الخيالى بنجاحها لمجرد قتل قائدها. أضف إلى ذلك ما ساهمت به سياسة ترامب من تصعيد قوى إقليمية فى المنطقة زادت المنطقة لهبًا وأوقعت عليها خسائر فادحة بغية تحقيق أمجاد شخصية ضيقة؛ مثل تركيا، وإيران التى خرجت كقوة إقليمية رابحة فى المنطقة على عكس ما كانت تستهدفه إدارة ترامب، وعليه، فإن الإدارة الجديدة فى سعيها إلى فتح صفحة جديدة مع إيران ترغب فى تضمين دورها فى المنطقة كأحد بنود الصفقة الجديدة، وهو ما ترفضه إيران شكلا وموضوعا. إلى جانب تحقيق مكاسب قوى خارجية لاسيما روسيا. وتبقى مصر شريكا مهما للولايات المتحدة وأن تعانى من تراجع بما يجعل العلاقة أقل صلابة تميل إلى التذبذب والتقلب.
***
أساءت رئاسة ترامب للمنطقة أكثر مما أفادتها وفاقمت الوضع. كما أن إدارة ترامب أتت بعكس ما كانت تأمله الولايات المتحدة فى المنطقة، فإلى جانب فقدانها ثقة حكومات الدول وشعوبها واستبعادها تماما كوسيط يمكن الوثوق به، فلقد توسعت إيران إقليميا كما لم يحدث من قبل، واستقرت روسيا من جديد فى المنطقة بكل قوة لملء الفراغ الذى تركه تراجع الولايات المتحدة، حيث إن المنطقة ــ بحسب السيد ترامب ــ لم تعد تشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية. تفهمت روسيا المنطقة وتعاملت معها بعد الربيع العربى فى وجود مراكز قوى داخلية جديدة أكسبتها شرعية فى مجتمعات مثل لبنان وليبيا واليمن وسوريا والعراق، ما جعل الوضع فى المنطقة أكثر هشاشة، محتما على القوى العظمى التعامل معه بحساسية شديدة. وأصبحت الولايات المتحدة تواجه سياسات روسيا الأكثر اتساقًا واتزانا فى الشرق الأوسط بما يعزز من بقائها فى مواجهة الولايات المتحدة.. ومع ذلك، فقد نجحت إدارة ترامب حيث فشلت جميع الإدارات السابقة من قبل فى تطبيع العلاقات بين عدد متزايد من الدول العربية وإسرائيل، متجاهلة تمامًا استمرار الاحتلال للأراضى العربية، محدثة اختراقا تاريخيا للسيد ترامب وإسرائيل. أمّا بالنسبة للشعب العربى، فلم يكن أكثر من تقويض للقضية الفلسطينية والأعراف والمبادئ الراسخة والتى أنفقت الحكومات العربية الأموال الكثيرة وبذلت جهودا مضنية لأكثر من 70 عامًا لدعمها. على عكس معاهدات السلام الموقعة مع مصر والأردن فى 1979 و1994، فجاء المقابل لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية الخمس متواضعا.
***
ليس لدى إدارة بايدن مهمة سهلة لعكس الإرث الذى تركه لها ترامب فى الشرق الأوسط.. وللبقاء مخلصًا لوعوده الانتخابية فقد سحب الرئيس ترامب المنتهية ولايته القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، لكنه عوّض هذه السياسة بمبيعات عسكرية أمريكية سخية ومساعدات للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومن الواضح أن إدارة بايدن، إذا كانت حريصة على العودة إلى الشرق الأوسط، فعليها أن تبتكر توجها جديدا يعيد الثقة فى الولايات المتحدة والإدارة الجديدة مع استبعاد المقولة التى روج لها ترامب أن المنطقة لم تعد تؤثر بشكل مباشر على المصالح الأمريكية. فمن ناحية، سوف ترفض الإدارة الجديدة، وفقا لقيمها المعلنة، بيع المعدات العسكرية لمن لا يحترم حقوق الإنسان ــ دون تعريف لمن تؤول هذه الحقوق فى الواقع. كما أن اتباع خطى سياسة أوباما بشكل أعمى لن يحقق ما تستهدفه الإدارة بالنسبة للعودة إلى المنطقة، فقد سبق أن رفضت المنطقة سياسات أوباما وهيلارى كلينتون، التى كانت خليفته المحتملة، حيث أيدا كلاهما جماعة الإخوان المسلمين، بما أضر بالمنطقة والإدارة الأمريكية على حد سواء. ولا تزال هذه السياسات وتبعاتها حيّة فى أذهان شعوب المنطقة.
إن إحياء دعوة أوباما للديمقراطية وحقوق الإنسان، إذا كان هذا يعنى عودة الإخوان المسلمين للحكم، فهو طريق مسدود. لذلك على الإدارة الجديدة أن تكون أكثر واقعية لفهم المنطقة ولحفظ الأمن والاستقرار. يتعين أن تكون إدارة بايدن براغماتية فى فهم أن الخلفية الثقافية والدينية قد تعكس مفهوما مختلفا للديمقراطيات والقيم التى تختلف فى المجتمعات المسلمة عنها فى المجتمعات الغربية. تحتاج الإدارة الجديدة إلى أن تفهم أن النمط الغربى من الديمقراطية من غير المرجح أن يحقق اختراقات فى الشرق الأوسط فى أى وقت قريب. إن أكثر ما تحتاجه المنطقة هو الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، أنها بحاجة إلى قطاع خاص مرن وواع للتعاون مع الحكومات لتعزيز التجارة والاستثمار والاندماج فى سلاسل القيمة. ويعمل الاتحاد الأوروبى تدريجيا لتحقيق التعاون الاقتصادى واتفاقيات التجارة الحرة بمفهومها الواسع متضمنة الاستثمارات والتجارة فى الخدمات وإعادة البناء. هل ستكون إدارة بايدن الجديدة مهتمة بمسار مماثل أم ستتبع سياسة انعزالية، كجزء من إرث ترامب؟ تحتاج إدارة بايدن إلى التمييز بشكل واضح بين حقها المشروع فى استعادة القيم والمبادئ الديمقراطية على الصعيد المحلى داخل الولايات المتحدة الذى أهدرهم ترامب بسياساته المتحيزة والعنصرية وغير الديمقراطية، وفى نفس الوقت أن تنأى بنفسها عن سياسة أوباما الخاطئة بمحاولة فرض الأيديولوجية الأمريكية على المنطقة. تحتاج الإدارة الجديدة إلى مسار جديد من صنعها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved