نظام الانتخابات الحالى مضر بإسرائيل
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأحد 18 ديسمبر 2022 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
تم تحليل نتائج الانتخابات الأخيرة فى كُل الاتجاهات الممكنة تقريبا. ولكن، يبدو أن البُعد الوحيد الذى تم تحليل الانتخابات من خلاله، هو وجهة نظر اليمين السياسى أو اليسار السياسى. جميع المقالات والمواقف التى جرى التعبير عنها فى وسائل الإعلام، تحلّل ما المفيد لنتنياهو أو ما السيئ لليسار. مجموعات قليلة مختلفة تصرخ بحق إلى حد ما، لتعبّر عن مخاوفها بخصوص مستقبلها فى ظل الحكم الجديد. ولكن، تقريبا لا يوجد أى صوت يتطرّق إلى تداعيات نتائج الانتخابات والمفاوضات الائتلافية على دولة إسرائيل كدولة «ديمقراطية»، سيادية وحرّة، لا تزال بعد 74 عاما من «الاستقلال» مرتبطة بعلاقاتها الاستراتيجية مع القوى العظمى، كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وهذا، من دون أى علاقة للمواقف السياسية هذه أو تلك.
بنية الانتخابات ونظامها الفاشل يدفعان بمن يتم اختياره لرئاسة الوزراء، إلى إدارة مفاوضات ابتزازية بهدف إقامة حكومة، تصمد بالبقاء لفترة زمنية حتى سقوطها بيد عضو كنيست كهذا أو ذاك. وهذا يعنى، أنه من أجل تشكيل حكومة، سيكون على رئيس الحكومة المنتخب أن يوافق تقريبا على كُل مطالب الأحزاب الصغيرة والمتوسطة. أحزاب، لم يتم اختيارها لتحكم وتقود، إنّما فقط لتمثّل فئة من المجتمع. أحزاب لا تمثّل أغلبية معيّنة فى المجتمع، إنما مجرّد أجزاء من المجتمع. وهكذا يطلب ممن يشغل رئاسة الحكومة الذى يمثّل أغلبية وفئات واسعة فى المجتمع، الموافقة على سياسات لا تلائم أغلبية الشعب أو حاجاته فقط، إنما تسمح لحكومته بأن تقوم وتستمر.
لفهم معنى الاتفاقيات الائتلافية الأخيرة وتأثيرها الهدّام فى الدولة، سأحاول أن أقدّم بعض الأمثلة على المستقبل المتوقّع القريب، وليس بالضرورة من وجهة نظر سياسية أو موقف سياسى.
• • •
يوجد فى دولة إسرائيل قرابة الـ10 ملايين مواطن ومواطنة. بينهم 6.8 ملايين لهم حق اقتراع. ومن بين كل هؤلاء توزع التصويت للأحزاب المتوسّطة والصغيرة التى ستدخل الائتلاف على الشكل التالى:
حصلت «الصهيونية الدينية» على نصف مليون صوت يشكّلون حوالى 5% من مجمل المواطنين والمواطنات. داخل هذا الحزب، كان هناك 3 قوائم، واحدة منها تتضمن عضو كنيست واحدا فقط (نوعام)، التى لم تعبر نسبة الحسم منفردة ولا مرّة. أمّا حزب «شاس» فحصل على نحو 390 ألف صوت يشكّلون نحو 3.8% من مجمل المواطنين والمواطنات. الأحزاب الحريدية حصلت على نحو 280 ألف صوت تشكّل سويًا نحو 2.6% من مجمل المواطنين والمواطنات. وجميع هذه الأحزاب مجتمعة، وفى حساب تقريبى يشمل العائلات، فهى تشكل أقل من 20% ممن لهم حق التصويت. ورغم هذه الحقيقة، يحصل مندوبوها على سيطرة كاملة بشأن كل ما يخص المستقبل الأمنى، الاقتصادى والسياسى لدولة إسرائيل بشكل سيؤثر فى كُل المواطنين.
وزارة الدفاع مثلًا، سيكون عليها «استضافة» وزير إضافى بين جدرانها. وزير سيحصل على مسئولية كاملة عن عمل منسّق أعمال الحكومة فى الضفة و«الإدارة المدنية» التابعة لصلاحية الجيش. هذا الوزير، سيمثّل مواقف زعيمه سموتريتش، الذى بحسب تصريحاته، ينوى صوغ سياسات جديدة لسلوك إسرائيل فى الضفة بشكل يحوّلها إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل من دون أن يتم حسم ذلك بالاتفاقيات الدولية كما هو مطلوب فى القرار 242 للأمم المتحدة. النتائج فى هذه الحالة يمكن أن تكون هدّامة لإسرائيل والحديث هنا لا يدور عن مجرّد موقف سياسى. فوضع جهات عسكرية تحت سلطة وزارة مدنية وتطبيق القانون الإسرائيلى على الضفة الغربية بشكل أحادى الجانب، معناه بحسب القانون الدولى، تحويل الاحتلال إلى حالة ثابتة على مناطق اعترف العالم كله بأنها واقعة تحت احتلال موقت وخاضعة للمفاوضات. معنى هذا الإعلان هو اتهام إسرائيل بشكل فورى بسلسلة طويلة من جرائم الحرب، وتوطين مواطنين ومواطنات فى مناطق غير مسموح لهم الاستيطان فيها، وضم فعلى للمنطقة على عكس مواقف كُل دول العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى وجميع الدول العربية التى لإسرائيل علاقات معها، وكذلك تلك التى يوجد مفاوضات للوصول معها إلى اتفاق سلام. هذا بالإضافة إلى أن وزير الدفاع وقائد هيئة الأركان المسئولين عن المنطقة قانونيا، لن يستطيعا تحمّل مسئولياتهما التى ستكون عمليا تحت سلطة جهات مدنية من طرف الصهيونية الدينية. أغلبية المستوطنين فى الضفة الغربية، الذين يعيشون اليوم بشكل «قانونى» اعترفت به الولايات المتحدة، سيتم اتّهامهم بأنهم مجرمو حرب. قيادات الجيش وقيادات الدولة سيتهمون بذلك، ومن الممكن إصدار أوامر اعتقال دولية بحقهم. وعلاوة على هذا كلّه، من المتوقّع أن يصل المجتمع الفلسطينى إلى نقطة توتّر وانفجار عنيف شامل ستمتد أضراره إلى المستوطنين، وأيضا داخل مناطق دولة إسرائيل.
وفى مثل هذه الحالة المتوقّعة، لن يكون هناك أيضا مستشارون قانونيون يمكنهم التحذير أو الدفاع عن خطوات دولة إسرائيل، وذلك لأن الوزير المخطّط تعيينه ينوى تعيين بعض المستشارين القانونيين من طرفه، سيصادقون من أجله على كُل خطوة، ولكن ليس من المؤكد نجاحهم فى ذلك إزاء المجتمع الدولى. كذلك أيضا قضاة المحكمة العليا الذين سيتم تعيينهم على يد الحكومة لن يقوموا بذلك.
ماذا نتوقّع أيضا؟ سلسلة من العقوبات الاقتصادية والسياسية من جانب أغلبية دول العالم إلى جانب إدانات واسعة من قِبل كل المؤسسات الدولية. هكذا مثلًا، من المتوقّع أن يوقف الاتحاد الأوروبى كُل استثماراته الاقتصادية والعلمية التى تصل قيمتها إلى مئات ملايين اليوروهات، فى دولة إسرائيل. هكذا أيضا، من المتوقّع أن تتخذ الإدارة الأمريكية خطوات تحدّ من حرية حركة إسرائيل فى الشرق الأوسط خاصة والدولية عامة.
فى الحالة المتوقّعة، لن تكون الدولة قادرة ولن ترغب فى إخلاء مستوطنات غير قانونية. وذلك لأن مقاتلى حرس الحدود الذين من المفترض بهم تطبيق هذه المهمات، سيكونون تحت سلطة وزير الأمن القومى، الذى يشكل توسيع المستوطنات فى الضفة جزءا من رؤيته. بحسب هذا النهج والقوانين الناتجة عنه، من المتوقّع أن يتم التعامل مع كل فلسطينى يهاجم يهوديا على أنه إرهابى قاتل، فى الوقت الذى سيتم التعامل مع كُل يهودى يهاجم فلسطينيا على أنه أعشاب ضالة مطلوب إعادة تثقيفه من جديد.
• • •
الآن بات واضحا أنه وبأصوات 700 ألف ناخب وناخبة فقط من مجمل مواطنى ومواطنات دولة إسرائيل، تم حسم سياسات وطريقة تعامل دولة إسرائيل فى السنوات المقبلة بشأن جميع المواطنين وأمام العالم أيضا.
الخطر الكامن بهذه الأحداث لا يتعلق باليمين أو اليسار. وهو أيضا لا يتعلق بالإيمان الدينى أو عدم الإيمان، بل هو مرتبط أساسًا بالموضوع البسيط جدا المسمّى (ديمقراطية إسرائيلية يهودية). العقل اليهودى اخترع طريقة فيها أقلية تقرّر إدارة الدولة بشأن أغلبية المواطنين ومواقفهم. هذه الطريقة لم تنجح فى فترة خراب الهيكل الأول. ولا فى فترة خراب الهيكل الثانى. ولم تنجح فى سورية عندما حاولت أقلية السيطرة على الأغلبية، ولا فى العراق، ولا فى أى مكان آخر فى العالم. وهذا لن ينجح بنهاية الأمر هنا أيضا. السؤال الوحيد هو هل سينتهى هذا بانقلاب، انقلاب مدنى، أو حرب أهلية.
الأيام ستكشف القادم. المؤكد هو أنه من دون تغيير نظام الحكم بشكل دراماتيكى ونظام الانتخابات فى دولة إسرائيل، الوضع سيكون أسوأ. إن المهمة الأولى للحكومة الإسرائيلية هى الدفع قدما بتغيير النظام بكل مكوناته، وإنقاذ الدولة من استمرار تدهور الوضع.
باحث فى معهد السياسات والاستراتيجيا بجامعة رايخمان
مؤسسة الدراسات الفلسطينية