مكانة وموضع الأمة والأسرة فى الإسلام

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 19 يناير 2022 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

‏Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

نستطيع أن نقول إن الأمة هى مصدر السلطة العامة فى الإسلام.
فإيمان المسلمين بالحق الإلهى، لم يصادر مكانة الأمة كمصدر لجميع السلطات ومرجعٍ لجميع المستويات.
ولا مرجع فيه للمسئولية العامة غير الأمة..
وقد كان أول ما تقرر من ذلك فى حياة ومع النبى عليه الصلاة والسلام، ما أمره به القرآن من وجوب مشاورة أمته، وكان الأمر بينهم شورى فى جميع الشئون إلاَّ ما تعلق بالتبليغ الذى خصه به الله، ولولاه ما كانت الدعوة إلى هذا الدين.
«وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ» (آل عمران 159).
«وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى 38).
وما كان لأحدٍ بعد أن قُبض عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، أن يمارس أو يدعى لنفسه حق ممارسة أكثر مما كان للنبى عليه السلام.
فلم تكن ولاية الخلافة التى تولاها الراشدون إلاَّ بالبيعة العامة، على ما فصلناه سلفًا.
ولا يوجد فى الإسلام حق بغير تبعة، ومن ثم كان حق الأمة فيه وتبعتها متكافئين متساويين.
ومع الحق والتبعة، فإن الأمة متكافلة متضامنة فى حقوقها وتبعاتها، لأنها متكافلة متضامنة فيما يعرض لها أو يصيبها.
ولا عذر للأمة فى ضلال تنساق أو تُساق إليه، بمتابعة الأسلاف أو أحبار وكبراء.
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئا وَلاَ يَهْتَدُونَ» (البقرة 170).
«قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ» (التوبة 30 ــ 31)
«قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا» (النساء 97).
وهذه المسئولية التامة المتناسقة بين طوائف الأمة وطبقاتها ــ عليها شريعة تامة متناسقة فى عقائدها وتكاليفها.
قوامها مستمد من هذه الشريعة، بلا وصاية، ولا كهانة، ولا طغيان من أى قبيل.. ولا يكون التساند إلاَّ فى الدعوة إلى الخير والمعروف.
«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» (آل عمران ــ 104).
وما أهلك الأمم من قبلهم إلاَّ أنهم «كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ» (المائدة ــ 79).
* * *
وكلمة «المنكر» كافية وحدها ــ فيما يسوق الأستاذ العقاد فى كتاب حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ــ للدلالة على الفريضة العامة، وقوامها أنه لا ظلم ولا حيف فى هذه المسئوليات العامة، بل الظلم والحيف أن يتساوى الجاهلون والعارفون، فكانت الدعوة إلى الخير والإقبال على المعروف والانتهاء عن المنكر، أصلا يستهدف إقامة الأمة على قسطاس العدل الذى يجب أن تكون عليه الأمة مصدر جميع السلطات ــ من مرجعية واجبة لجميع التبعات والمسئوليات.
«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ» (آل عمران ــ 182).
* * *
ولعله من علامات الخير أن تدول الدول وأن يذهب ما أفسدت من أمور الدين والدنيا، وتبقى للمسلم عقيدته فى حقوق أَمْنِهِ مصونة فى قلوب المحافظين والمجددين، وملحوظة فى آراء الوادعين والثائرين.
ويستشهد الأستاذ العقاد بكلام للشيخ محمد بخيت الذى يصفه بأنه من أشهر الأئمة المتأخرين بالمحافظة على القديم، من كتابه عن حقيقة الإسلام وأصول الحكم.
يقول فيه الشيخ الإمام مما يقول: إن الإمام إنما هو وكيل عن الأمة، وإنهم هم الذين يولونه ملك السلطة، ويملكون خلعه وعزله، على شروط أخذوها من الأحاديث الصحيحة.
ولا ينهى الأستاذ العقاد هذا الحديث دون أن ينبه إلى أن «الأمة» حيثما وردت هذه الكلمة فى كتاب الله، فإنها تعنى الخطاب الإلهى الموجه إلى الأمم عامة، لا تستأثر به أمة ولا تحجب عنه أمة، خلافًا لمن قال من بنى إسرائيل إن «الأمم» بعامة لا تتلقى خطابًا من الله، وأن أمة إسرائيل هى وحدها التى تستأثر بهذا الخطاب دون جميع خلق الله!
ويدل على ذلك فيما يستشهد ــ بأن كلمة «الأميين» قد وردت فى غير موضع فى القرآن الكريم مقابلة لأهل الكتاب أو لأهل الكتاب من بنى إسرائيل خاصة، فالأميون قد وردت فى موضعين من سورة آل عمران مشيرة إلى توجيه الخطاب إلى كل أمة غير بنى إسرائيل.
«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» (آل عمران ــ 75).
«وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ» (آل عمران ــ 20).
وقد وردت الكلمة بهذا المعنى، حيث جاء بالقرآن الكريم تكذيبًا للمعنى الذى تدعيه بنو إسرائيل أن الله لا يخاطب الأمم ــ قوله تعالى: «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ» (الجمعة ــ 2).
وورد بالقرآن المجيد تذكير بأن الخطاب من الله يتجه إلى كل أمة كلما بعث إليها 
برسول: «وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ» (فاطر ــ 24).
خطاب الله تعالى إنما هو للعالمين، ولجميع الأمم، لا يخص أمة دون الأمم، ولا يستبعد أمة من الأمم، وإنما هو خطاب يتجه إلى جميع خلق الله بالهداية إلى رب العالمين.

الأسرة
كتب الأستاذ العقاد فى «الفلسفة القرآنية» عن المرأة وعن الزواج، ولكنه يكتب 
هنا عن «الأسرة» من زاوية أنها هى «الأمة الصغيرة» التى خصها بالكتابة هنا على ما سلف، مشيرًا إلى أن النوع الإنسانى قد تعلم عن الأسرة أفضل أخلاقه الاجتماعية، وأجملها وأنفعها.
ولن يفوتك وأنت تقرأ ما كتبه الأستاذ العقاد عن الأسرة، أنه كتبه بحسًّ عالٍ وشعور فياض، فضلا عن علمه وعقله، ولعلك تتساءل كيف تسنى هذا الإحساس الغامر للعقاد وهو الذى لم يقم أسرة، والجواب فى نظرى هو ما جُبِلَ عليه من عاطفة ورحمة عرفها من اقتربوا منه؛ فضلا عن محبته وإكباره لوالديه اللذين مرَّ بنا سلفًا بعض ما كتبه عنهما، وأثر كل منهما فيه.
فمن الأسرة، تعلم النوع الإنسانى الرحمة والكرم، ولو تتبعنا سائر الفضائل والمناقب الخلقية المحمودة، لوجدنا فى كل أصل من أصولها مصدرًا من مصادر الحياة فى الأسرة. فالعقيدة والعزة والوفاء ورعاية الحريات كلها قريبة النسب من فضائل الأسرة الأولى.
وترى مكتسبات الإنسان الخلقية حاضرة فى حياته الأسرية، كالمروءة والإيثار، فإذا هجر الأسرة وفكك روابطها ووشائجها، تأثرت هذه المكتسبات سلبًا.
وقد يحسب على الأسرة كما قد يحسب على الفرد، ما قد يعترى الناس من الأثرة والجشع، ومن الجبن والبخل، ومن الكيد وتوابعه ـــ ولكننا لا نمحو الأسرة، مثلما لا نمحو الفرد ــ من أجل الأثرة وأضرارها. وإنما نسعى لمحو الأثرة وتغذية الإيثار ما استطعنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved