نحتاج لدعم لا لوصاية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: السبت 19 مارس 2011 - 9:26 ص بتوقيت القاهرة

 أعرف أننا تفتقر إلى الكثير من وسائل الحكم الرشيد وسلوكياته بدليل أن ثورة قامت وأحد أهم أهدافها ترشيد الحياة السياسية فى مصر. وأتوقع أن تواجه القائمين على إعادة بناء هياكل مصر السياسية بما فيها دستورها وقوانينه المكملة ومؤسسات الحكم فيها ــ مشكلات بالغة التعقيد بسبب الضعف الشديد الذى أصاب فى الصميم معظم مؤسساتنا السياسية، ومنها مؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ومجالس الحكم المحلى، ستكون حاجة هؤلاء المسئولين ماسة إلى الاطلاع على ما تحقق من تقدم فى تجارب الانتقال التى مرت بها دول عديدة من عهود استبداد إلى الديمقراطية، وكلها فيما أعلم تجارب طويلة وشاقة وبعضها حقق إنجازات عظيمة، مثل تجارب جرت فى البرازيل وكوستاريكا وشيلى والأرجنتين، وتجارب أخرى فى أوروبا الشرقية.

تدنت مؤسساتنا السياسية إلى حال من التردى الواضح إلا أنه مازالت لدينا كفاءات متميزة فى مجالات عديدة يتصدرها مجال القانون الدستورى وخبرات عريقة فى قطاعات العلوم السياسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، لدينا أيضا خبرات معقولة قادرة على إدارة حوار وطنى جاد ورشيد بين كل قطاعات الوطن حول قضايا ندرك تماما خطورتها على وحدة الأمة وأمنها القومى وسلامتها الإقليمية.

إن وجود هذه الخبرات والكفاءات لا يعنى بالضرورة أننا نستطيع تحقيق اكتفاء ذاتى ونحن على أبواب عملية إعادة البناء وملحمة الانطلاق نحو تنمية حقيقية وجادة خالية قدر الإمكان من شرور الفساد والإهمال وهدر الموارد. ولا يعيبنا الاعتراف بأننا سنحتاج إلى دعم خارجى وسنكثف الجهود من أجل الحصول عليه ونختار منه الأفضل والأكفأ أشخاصا ومضامين وأساليب. ولا أشك فى أن لدينا الآن من القيادات والخبرات الوزارية والسياسية وما تتحلى به من حماسة ووطنية وروح ثورية ما يضمن لنا أفضل الخيارات.

إلا أن حاجتنا هذه، رغم إلحاحها فى حالات وقضايا بعينها، لا تعنى بأى حال من الأحوال أن نقبل تحت الضغط أو الاستعجال أو التهويل فى حجم احتياجاتنا من الدعم فى مرحلة الانتقال كل ما يعرض علينا من برامج دعم للتنمية أو اقتراحات بإجراء حوارات وطنية حول قضايا بعينها. كانت لى مخاوف محددة وأظن أنها كانت مشروعة ناقشت جانبا منها فى مقال نشر قبل أسبوعين، ثم حدث أن لفت انتباهى زميل تونسى إلى أن شكوكا مماثلة يجرى تداولها فى أوساط لها علاقة بالتغييرات الثورية الحادثة فى تونس.

أخشى أن يكون فى نية المسئولين فى الأمانة العامة للأمم المتحدة اتخاذ قرار موحى به من دولة أو جهة خارج الأمم المتحدة بتعيين شخص أو أشخاص ينفذون أجندة سياسية. لا نريد أن نرى فى مصر أو تونس مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة تابعا لإدارة الشئون السياسية فى الأمانة العامة ينفذ سياسات أو يدلى باقتراحات تخلف آثارا سلبية من نوع الآثار التى خلفتها تجارب مماثلة فى لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان. أفهم أن يكون لهذا المبعوث وإدارة الشئون السياسية دور فى حالات بعينها مثل حالات الدول الخارجة لتوها من حرب أو الدول المشتبكة فى صراعات دولية أو الدول المشتعلة بالحروب الأهلية أو الدول التى تستحق أن يطلق عليها دول فاشلة، وكلها حالات لا تنطبق على مصر وتونس.

فالدولتان خرجتا من ظل حكم استبدادى وفاسد ويدخلان بإرادتهما الحرة المطلقة وعبر مؤسسات مرحلة انتقالية إلى الديموقراطية. ولا يخالجنى شك فى حرص المسئولين على ألا ينفذ من خلال برامج دعم التنمية والتحول إلى الديموقراطية من يحاول تنفيذ مهام أو مصالح دول أو قوى خارجية. أو يحاول التأثير فى خياراتنا ونواحى أمننا القومى. لم نتخلص من ولاية مستبدة لنخضع لوصاية أجنبية.

لا أتصور أن نبدأ عهد بناء مصر كدولة حرة تسعى لاستعادة مكانة لائقة بين دول المنطقة والعالم بالسماح لمبعوث أجنبى بالالتحاق بوزارات وإدارات استراتيجية أو يوضع فى صلب عملية صنع القرار ويخضع إداريا وسياسيا لجهة خارجية، حتى لو كانت هذه الجهة هى الأمانة العامة للأمم المتحدة..

●●●


ومع ذلك فأنا مطمئن إلى أن وزارة الخارجية المصرية فى عهدها الجديد ستدلى برأيها فى هذا الشأن وستضع الضوابط اللازمة التى تحكم حركة ومسئولية من تبعث بهم الأمم المتحدة أو أى جهة أجنبية أخرى لدعم عملية الانتقال إلى الديموقراطية.. أنا أيضا مطمئن إلى نزاهة وموضوعية الغالبية العظمى من موظفى الأمم المتحدة والتزامهم أهدافها السامية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved