ما بعد البابا

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 20 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم يكن البابا الراحل شنودة الثالث مجرد رجل دين عظيم فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، ولكنه كان ــ قبل ذلك وبعده ــ رجل سياسة من الطراز الأول.

 

ففى بداية رئاسته للكنيسة، واجه البابا انقلابات السادات الحادة على توجهات عبدالناصر، والتى بدأتها أجهزة أمنه عام 1971 بإثارة الفتن الطائفية فى أحياء القاهرة الشعبية، لكى يشغل بها السادات الرأى العام آنذاك عن شن الحرب على إسرائيل. وقد تزامنت هذه الفتن المصنوعة أمنيا مع معركة السادات لتصفية رجال عبدالناصر فيما عرف بقضية «مراكز القوى»، ثم بمحاولته تصفية سياسات عبدالناصر نفسها برفعه شعار «دولة العلم والإيمان»، وتوجيه الصحافة ووسائل الإعلام بأن تطلق عليه لقب الرئيس المؤمن، فى غمز ولمز إلى «كفر» عبدالناصر بتوجهاته المنسوبة للاشتراكية، ثم بانتهاج السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادى التى أطلقت رصاصة الرحمة على دولة عبدالناصر بتوجهاتها المنسوبة للاشتراكية وانحيازها للفقراء وأبناء الطبقة الوسطى.

 

وبالطبع لم يكن أمام البابا شنودة وهو يرى ألاعيب السادات فى توظيف الدين لأغراض سياسية، سوى أن يشعر بالقلق وهو يرى أن هذه الألاعيب كانت وراء رفع الكثير من شباب الجماعات المتطرفة السلاح فى وجه الدولة بدعوى انها ليست إسلامية بما يكفى، بل إنها فى نظر الكثير منهم دولة كافرة، لأنها لا تطبق الشريعة، ولا تحكم بما أنزل الله.

 

كان البابا شنودة هو ابن هذه المرحلة العاصفة، التى شكلت وعيه السياسى وعلاقته بالدولة فى عهد مبارك أيضا، ففى سنوات حكم السادات بموجات التطرف الإسلامى التى صاحبتها، بدأ البابا فى ربط الأقباط سياسيا بالكنيسة، وسط مناخ عام شعر فيه الأقباط بالغربة فى وطنهم، ووجدوا فى الكنيسة الحماية الروحية التى عجزت دولة السادات عن توفيرها لهم.

 

أما فى عهد مبارك، فقد سيطرت سياسات البابا القديمة بالتمسك بالأصولية الدينية والسياسية على توجهات الكنيسة، ولم يكن من بإمكانه التخلى عنها حتى بعد مراجعات الفرق الإسلامية وتخليها عن العنف، وانتهاجها خطابا أكثر تسامحا مع الأقباط.

 

أما الآن، ونحن فى زمن ثورة تنادى بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، لن يضطر البابا الجديد إلى إغلاق أبواب الكنيسة على شعبه، لأنه لو فعل ذلك فإنه سيهدر فرصة تاريخية لمشاركة الأقباط فى الدولة الجديدة التى نتطلع لبنائها فى مصر رغم العثرات التى نواجهها الآن!

 

وما ينبغى أن يدركه البابا الجديد، أن البابا شنودة كان رجل مرحلة استثنائية فى تاريخ مصر، لم تعد الظروف مهيأة لتكرارها مرة أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved