كرّ وفرّ.. وإقبال وإدبار

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

عادت الترويكا تتصدّر المشهد السياسى من جديد محاولة هذه المرّة تغيير قواعد اللعبة والإفادة من الأخطاء السابقة. فالوجوه التى مجّها المشاهد بسبب سوء أدائها ومحدودية ثقافتها وعسر تواصلها مع الجماهير أو فشلها فى الإقناع تأكّد على مرّ الشهور، أنّها لم تنجح فى اختبارات الركح السياسى الاجتماعى ولذا صدرت الأوامر بأن تتأخّر هذه الوجوه إلى الصفوف الثانوية ظاهرا وأن تتوارى عن الأنظار لفترة طالما أنّ مكانها الجديد سيسمح لها بإدارة الفعل السياسى بأريحية أفضل إذ للإعلام مزالق منها: أنّه كشف المستور وفضح وهن الحجج وتضارب الأقوال والفجوة بين الشعارات المرفوعة والفعل على أرض الواقع والعبرة  فى نهاية الأمر بالنتائج.

 

وفى مقابل ذلك برز بعض اللاعبين الجدد على أرض الميدان.. سيجذبون الانتباه على الأقلّ فى بداية هذه المرحلة، مادام الفضول يدفع بعضهم إلى متابعة طرق «التناطح» وأساليب المراوغة والمكر والهاء.. يتلهون بانتقاد سلوك سياسى لا يرقى إلى المطلوب، يرصدون أساليب الهجوم وأساليب الدفاع يتقصون المناورات ويتندرون بقولة فلان ويسخرون من المأزق الذى وقع فيه فلان. وبينما تسعى السلطة الحاكمة إلى الإيهام بأنّها جدّدت «الطاقم الفنى» بما سيضمن لها حظوظ النجاح والانتصار تحافظ المعارضة على نفس الوجوه، وتجتر نفس الخطاب السياسى وتستمر فى تبنى نفس السلوك السياسى، وهو أمر سيجعلها مفتقرة إلى عوامل تساعدها على تعزيز مواقعها.

 

•••

 

وأهم من يعتقد أنّنا قد نجحنا فى استبدال شعارات كانت ترفع فى الملاعب الرياضية بإنجازات تستجيب لتطلعات من أنجزوا الثورة، وأنّنا نجحنا فى تبناء فضاءات يمارس فيها الفعل السياسى على أسس تسمح بالانتقال الديمقراطى.

 

وأهم من يظن أنّنا قد انتقلنا من مرحلة التنفيس عن الكرب بالعنف اللفظى والمادى إلى مرحلة ضبط النفس وحسن تدبير المرحلة الانتقالية.

 

وأهم من يحسب أنّ متعة الفرجة والتعاليق الطريفة قد فارقت الملاعب الرياضية لتجد لها مكانا فى منابر الحوار الإعلامية.

 

تبقى رياضة كرة القدم فى الصدارة تجذب الجماهير وتروّح عن النفوس العليلة، تخفّف عنهم عناء ما يكابدونه فى حياتهم اليومية من معاناة وشقاء وإحساس بالغبن وخيبة الأمل.

 

•••

 

أينما صوّبت وجهك تجد من يعبّر عن خيبة أمله فى هواة يحترفون الكلام حول السياسة من أهل اليمين وأهل اليسار، حفظوا عن ظهر قلب مصطلحات تدور فى فلك العصر: الديمقراطية التشاركية، العدالة الانتقالية، الحوكمة الرشيدة، التداول السلمى على السلطة.. ولكنّهم يعجزون عن الفعل السياسى، ينتجون خطابا يذكّر بأيام البسوس، وداحس والغبراء، يظل موصولا إلى قواعد الكرّ والفرّ وانصر أخاك ظالما ومظلوما وأنا وابن عمى على الغريب... فإلى متى؟

 

سقف المطالب والتوقّعات فى بلد أنجز ثورة كان مرتفعا... انتظر البعض أداء يتطوّر يوما بعد آخر، فعلا يتدرّج نحو الأفضل، يسدّ الفجوة بين القول والفعل، وخطابا يضع فى اعتباره أنّ  كرامة الجماهير فوق كلّ اعتبار، وانتظر البعض الآخر أنّ السياسى يتعلّم من أخطاء من سبقوه فيعدّل أوتاره ويجوّد ممارسته وسلوكه السياسيين ليغدو فاعلا معبّرا عن نضج سياسى فعليّ. ولكن يبدو أنّ سنوات العقم والقهر أنتجت شخصيات معطوبة وأنّ حجم الدمار كبير.

 

•••

 

ويوما بعد آخر تتسع الفجوة وتنعدم الثقة فى أهل السياسة الذين يسوسون بمنطق كُروى مفضوح... تتأزّم الأوضاع وتتسع رقعة المآزق. ولعلّ انعكاسات هذا التأزّم ستكون وخيمة على مسار الانتخابات القادمة. فمن يقنع الشباب المهمّش بأنّ النخب السياسية قادرة على تحسين أدائها وإدارة ما تبقى من المسار إدارة تتجلّى فيها روح الوطنية والمسئولية؟

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved