الإنسان وقوة الحياة

الأب رفيق جريش
الأب رفيق جريش

آخر تحديث: السبت 19 مارس 2016 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

يمر العالم أجمع وتمر منطقتنا بالذات بأوقات اضطراب وصعوبات على الصعيد الشخصى وعلى الصعيد الجماعى، فالفكرة التى أود أن أشارككم بها هى استنهاض إرادة الحياة فينا وعدم الاستسلام لقوى الشر والموت الكامنة فينا وحولنا، بل أن نسيير أمورنا بأيدينا ونرسم حياتنا وحاضرنا ومستقبلنا بقدر الإمكان وبما تسمح به الظروف وذلك على المستوى الفكرى والممارسة على أرض الواقع، إذا استسلمنا لا سمح الله، متنا وتلاشينا، وإذا أمسكنا أمورنا بأيدينا، على الرغم من كل الصعوبات، فإننا نعطى لإرادة الحياة فرصة أن تعمل فينا وفى مجتمعاتنا وفى بلادنا. أما الأداة المستعملة فى البحث عن معنى لما يحدث عن سبل العمل لمواجهة هذه العواصف، فهى العقل. أى نتخطى حالة الفزع والهلع واليأس التى تنتابنا، لكى نحكم عقلنا ونسترشد به فى كل ما يحدث. وإذا نحينا العقل جانبا، فإن الأحداث هى التى تتحكم بنا.

والعقل المطلوب هو العقل المفكر، الذى ينتقل من حالة الإستسلام إلى حالة العقل المُبادر، على الرغم من كل الصعوبات التى تتحدى هذا الفكر، فليس من طريق آخر، لقد خلق الله الإنسان، وجعله سيد الخليقة وخليفته على الأرض، ووضع فيه العقل لكى يدير شئون الأرض بحكمة ودراية وجرأة، فالعقل يفكر ويحلل ويربط الأشياء ببعضها البعض، ويدرك الأحداث بمعطياتها وأسبابها ونتائجها وتداعياتها بعيدا عن الأهواء والمصالح وقوى الظلام.

والعقل المفكر هو أيضا المستنير بالإيمان، أى الذى يعود إلى هويته الإيمانية وينابيعه الأصيلة والأصلية، ليجد فيها طاقة تنقلنا هى أيضا من الاستسلام السلبى إلى المواجهة الإيجابية. والعقل المفكر والعقل المؤمن لا ينفصلان الواحد عن الآخر بل يُحيى الواحد الآخر، ويغذى الواحد الآخر، ولكنه سيكون سلبيا إن لم ينتقل إلى الإرادة. فالعقل يفكر ويميز، والإرادة تَفعَل وتُفَعِّل وتحرك طاقات العمل. لا يكفى أن نحلل ما يجرى حولنا، بل من الضرورى أن نتحول إلى العمل بالتزام لنغير مجرى الأحداث لما هو خيرنا وخير مجتمعاتنا وخير البشرية كلها، وفى آخر المطاف، تصل الأمور إلى الجسد وطاقات العمل الكامنة فيه، تصل إلى الأرجل والأيدى، الأرجل التى تبادر (فى ضوء العقل والإرادة)، والأيدى التى تعمل، عندها يتحول المجتمع إلى ورشة عمل كبيرة، يعمل فيها الإنسان على تضييق الهوة السلبية أى الموت، وتوسع مساحات الحياة. بهذا تكون الدائرة قد اكتملت: العقل ــ الإرادة ــ الجسد. وهى دائرة متكاملة تقوم كل مكوناتها بدورها، وبذلك نكون كما أراد الله الذى وضعنا فى قلب الخليقة لنجعل منها مكانا وحالة جديرا بالإنسان، فردا وجماعة ووطنا.

الأب رفيق جريش

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved