بيروت منورة بأهلها

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 19 مارس 2023 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

كيف أنتم مع العتمة؟ بعضنا ينطقها ظلمة أو ظلام حسب البلد أو المنطقة، ولكن السؤال نفسه تتبعه أسئلة؛ مثل: كيف أنتم من غير إنترنت أحيانا ولا ماء؟ نعم يأتى الماء بعد النت فى الأهمية لدى الكثيرين من مدمنى التجول المستمر فى زوايا الفضاء المفتوح على مصراعيه والمشرع أذرعه فى مشهد يوحى لوهلة أننا منفتحون على الكون بكل حرياته واحترامه لكثير من القيم والمبادئ والحقوق.. ولكنه وهم آخر كما كل الأوهام الأخرى التى كبرنا عليها أو ربما تعلمناها مع تقدم العمر أو تأخره!
• • •

المثير أن السؤال عن بيروت أو لبنان وانقطاع الكهرباء بل تدهور الحياة ككل فيها هو الأكثر تكرارا بين كل العرب، ربما لمحبة خاصة لهذه البلد أو لكثرة ما يرون ويسمعون عبر نشرات الأخبار التى لا تحمل إلا مزيدا من الانحدار، سواء على صعيد مستوى المعيشة، أو سعر صرف الدولار الذى يتغير أحيانا فى اليوم الواحد لأكثر من مرة، أو هى عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق حول رئيس للجمهورية سواء داخليا أو خارجيا، أو هو أخبار حول اقتحام المودعين الغاضبين لأحد فروع البنوك، أو ربما انعدام الأدوية الضرورية فى الصيدليات أو تواجدها بأسعار خيالية.. كلها تثير لدى العديد من العرب الذين لطالما كانت بيروت بالنسبة لهم مدينة النور ومنارة للثقافة والعلم.
• • •

كيف هى بيروت دون كهرباء؟ والإجابة لا تأتى على شكل كلمة بل هى ككل شىء فى تفاصيل هذا البلد بحاجة إلى تفسير طويل حتى يستطيع أى إنسان عادى أن يستوعب. مؤخرا توصل البعض إلى الاستعانة فى الإجابة على هذه الأسئلة وتوابعها عبر المرور على يوم أو أسبوع من الحياة فى بيروت.. مثل أنه يبدأ بلقاء حول التراث اللامكتوب فى المنطقة العربية فى متحف سرسق، وبعده منتدى حول حق المرأة فى منح الجنسية لأولادها وهو أحد الكثير من البرامج والأنشطة فى الجامعة الأمريكية، ومساء فى نفس الجامعة وبمبنى الوست هول تعرض المخرجة اللبنانية ــ الفلسطينية كارول منصور فيلمها «عايده عائدة» وهو فيلم تسجيلى عن كيفية قيام كارول بإعادة والدتها لتنثرها فى يافا التى هجرت منها فى عام 1948. ولا ينتهى الأسبوع هنا، إذ لا يزال هناك المزيد، تسمع من بعض الصديقات المهتمات بالمطاعم والمقاهى الجديدة بأن هناك صعوبة فى العثور على طاولة للعشاء فى ذاك المطعم الجديد وقائمة الانتظار تطول. ألم يؤكد ذاك اللبنانى المخضرم بأن هناك أكثر من لبنان فى نفس البلد؟!
• • •

فحيث تبحث بعض النسوة فى القمامة مساء فى حماية العتمة من فضائح نشر المستور، هناك آخرين، حتى ولو كانوا قلة، لا زالوا يدمنون الاستهلاك المفرط فى الغلاء وفى اللبس والسكن والأكل والشراب.
• • •

يستمر الأسبوع لتختمه رائدة طه فى مسرح المدينة بعرض مسرحيتها الرائعة ككل أعمالها السابقة «شجرة التين» حيث تروى كما كتبت عنها جريدة الأخبار اللبنانية، «معاناتها مع الفقد والحرمان والاغتراب فى دول الشتات واصفة البحث عن الجذور فى مدينة القدس المحتلة».
• • •

فيما يستمر مهرجان فندق البستان فى عروضه الموسيقية المتنوعة وتغنى أميمة الخليل وزياد الأحمد فى الرابطة الثقافية بمدينة طرابلس حيث يذهب ربع الحفل لصالح العائلات التى تضررت من الزلزال.. وهناك كثير فى بدارو، وتتحول الجميزا التى لا تزال ترمم جراحاتها منذ انفجار الميناء فى 2020، إلى ما يعرف بـ «الارت هب« أو مساحة للمعارض الفنية حيث زحفت كثير من الجالريات الفنية وافتتحت مساحات جديدة لعرض اللوحات ومعارض الصور الفوتوغرافية والمنحوتات.. الجميزا تشهد محاولة لإعادة الحياة من جديد عبر الفن وكثير من المقاهى والمطاعم والبارات.
• • •

أما الأدراج المتعددة التى تربطها بـ«سرسق« فى الأعلى فهذه بمجملها أصبحت مساحات للفن والغناء والموسيقى والجرافيتى الذى يزين جدرانها المتشققة إما بفعل الزمن أو الانفجار أو حتى بقايا لحروب ومعارك كانت هنا وهناك أو مرت من هنا وهناك.
• • •

هذه بضع إجابة لسؤال مكرر ربما يستطيع أن ينقل صورة لا تنقلها نشرات أخبار المحطات اللبنانية الملوثة مثلها مثل كل الأجواء السياسية العامة فى هذا البلد، والباحثة عن كثير من الإثارة وقليل من الحب لبلد بقى طويلا منارة لكثير منا نحن العرب ولا يزال.. بيروت منورة بأهلها وبكم.

كاتبة بحرينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved