استثمار التنظيمات الإرهابية للكوارث الطبيعية

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الأحد 19 مارس 2023 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة تقى النجار تناولت فيه سعى التنظيمات الإرهابية لاستغلال الكوارث الطبيعية من أجل تعزيز نشاطها الإرهابى وصورتها الجهادية على المستوى الدولى... نعرض من المقال ما يلى.

يُعد تسليط الضوء على العلاقة بين الكوارث الطبيعية والظاهرة الإرهابية طرحًا مهمًا فى الدراسات الأمنية، إذ يتفق هذا الطرح مع رؤية مدرسة كوبنهاجن فى العلاقات الدولية والتى تدور حول توسيع مفهوم الأمن ليمتد إلى قطاعات وقضايا مختلفة، لا سيما مع وجود انعكاسات سلبية للكوارث الطبيعية تخلق نقاط ضعف فى المجتمعات تستغلها التنظيمات الإرهابية. ومن ثم تسعى هذه الورقة إلى بحث تلك العلاقة سعيًا لإيضاح مجالات التأثير والتأثر بينهما، وذلك بالتركيز على أبرز الكوارث الطبيعية التى شهدها المجتمع الدولى مؤخرًا، وكيفية تعاطى التنظيمات الإرهابية معها.

استهدف الزلزال الذى وقع فى 6 فبراير 2023 مناطق واسعة جنوب تركيا وشمالــغرب سورية، وتسبب فى كارثة إنسانية حملت تداعيات متعددة على أمن المناطق محل الحدث، وفى هذا السياق تباينت ردود أفعال التنظيمات الإرهابية فى تعاطيها مع الزلزال.

فيما يتعلق بتعاطى تنظيم «داعش» مع الأحداث، فقد وظف الحدث فى سياقين؛ السياق الأول وهو سياق دعائى، إذ جاءت افتتاحية النبأ فى العدد 377 الصادر فى 9 فبراير 2023، تحت عنوان «وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا»، حيث ركزت على نقطتين رئيسيتين؛ يتعلق أولها بالتوضيح أن هدف الزلزال هو تخويف العباد ليعودوا إلى ربهم. وينصرف ثانيها إلى التأكيد على أن كثرة الزلازل من علامات يوم القيامة.

أما السياق الثانى فهو سياق عملياتى، إذ أستغل التنظيم تحول موارد الدول السورية لمواجهة تداعيات الزلزال، وذلك عبر تهريب عناصره من ناحية، بجانب تعزيز نشاطه من ناحية أخرى، حيث فر نحو 20 عنصرًا من عناصره من أحد السجون شمال غربى سوريا فى 7 فبراير 2023، بعد افتعال عصيانًا مدنيًا بعد الزلزال. كذا نفذ «مذبحه البادية» فى مدينة تدمر بريف حمص الشرقى وسط سوريا فى 12 فبراير 2023، والتى أسفرت عن مقتل 53 شخصًا.
• • •

شهد النظام الدولى فى مطلع عام 2020 حالة من الارتباك الصحى والأمنى على خلفية تفشى جائحة كورونا، الأمر الذى انصرفت تداعياته إلى أمن الدول والمجتمعات، حيث سعت التنظيمات الإرهابية إلى استغلال تداعيات الجائحة من أجل تعزيز نشاطها، وقد تباين تعاطى الأخيرة مع الجائحة فى ضوء تباين أهدافها ودوافعها.

إذ تعامل تنظيم «داعش» مع فيروس «كورونا» ببرجماتية شديدة، فقد عمل على توظيف الفيروس على المستوى الإعلامى والعملياتى واللوجيستى؛ فعلى المستوى الإعلامى سعى إلى مهاجمه خصومه عبر تصوير تفشى الفيروس كغضب من الله، حيث أشارت مقالة فى العدد 220 من صحيفة النبأ، الصادر فى 6 فبراير 2020، جاءت تحت عنوان «إن بطش ربك لشديد»، إلى أن انتشار الوباء فى الصين مرتبط بممارسات الأخيرة تجاه التنظيم.

أما على المستوى العملياتى، فقد دعا عناصره إلى استغلال تداعيات الجائحة للقيام بعمليات إرهابية، فجاءت افتتاحية العدد 226 من صحيفة النبأ، الصادر فى 19 مارس 2020، تحت عنوان «أسوء كوابيس الصلبيين« لتحث عناصره على القيام بعمليات إرهابية داخل المدن الأوروبية استغلالًا للضغط الذى تتعرض لها الأخيرة على المستويين الطبى والأمنى.

على المستوى اللوجيستى، فقد استغل التنظيم الوباء لجنى الأرباح، إذ أسس أحد أنصاره فى تركيا موقعًا على الإنترنت وصفحات مبيعات على شبكة فيسبوك لبيع أقنعة الوجه، وغيرها من معدات صحية، ثم قام بتحويل أرباح المبيعات للتنظيم، فتحول الوباء إلى مصدر مالى له.
• • •

تعد قضية التغييرات المناخية من أبرز التحديات الراهنة التى تواجه المجتمع الدولى، حيث أسفرت على تداعيات انعكست على الأمن الإقليمى والدولى على حد سواء، إذ تساهم فى تعزيز نشاط التنظيمات الإرهابية، بفعل ما يترتب عليها من تغيرات على الموارد الطبيعية؛ حيث ينجم عنها عدد من الظواهر، كالتصحر، وارتفاع مستوى البحار، وجفاف المياه، الأمر الذى يزيد من عدم الاستقرار السياسى، ما يوفر مساحةً تنشط فيها التنظيمات الإرهابية.

وبصفة عامة استثمرت التنظيمات الإرهابية فى التداعيات السلبية للتغيرات المناخية عبر ثلاث آليات، يتعلق أولها باستخدامها لمهاجمه الخصوم، حيث تبنها بعض التنظيمات فى الخطابات الموجهة لأنصارها؛ ففى عام 2010 على سبيل المثال، صدر تسجيل صوتى لزعيم تنظيم القاعدة آنذاك «أسامة بن لادن»، ليتهم الولايات المتحدة بالتسبب فى الأزمة المناخية التى يعانى منها العالم، وربط «بن لادن» بين ظاهرة الاحتباس الحرارى والتقدم الاقتصادى للولايات المتحدة، فى محاولة منه لانتقادها وتشويهها.

وينصرف ثانيها إلى استغلالها كعامل محفز للنشاط، إذ لعبت التغيرات المناخية دورًا فى ظهور تنظيم «داعش» فى سوريا. حيث ساهم الجفاف وندرة المياه، والنمو السكانى السريع، فى الهجرة من الريف للمدن المكتظة بالسكان. ومع زيادة معدلات البطالة، وزيادة التنافس على الموارد، وتصاعد التنافس بين سكان المناطق الحضرية والنازحين المحرومين على الموارد، تأججت الانقسامات العرقية والاجتماعية والسياسية الموجودة بالفعل.

تزامن ذلك المشهد مع الفوضى وعدم الاستقرار الناجم عن القتال بين الحكومة والجيش السورى الحر، ما أتاح الفرصة للتنظيمات الإرهابية ولا سيما «داعش» من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضى السورية. وبالتالى يمكن القول إن التغيرات المناخية ساهمت ــ بالتضافر مع مؤشرات الهشاشة السورية ــ فى تصاعد نشاط تنظيم «داعش».

ويتصل ثالثها بتوظيفها فى التجنيد، وذلك عبر استخدام الحوافز الاقتصادية لتمويل المواطنين الذين فقدوا مصادر رزقهم بفعل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وفى هذا السياق يبرز نموذج تنظيم «بوكو حرام» الذى أحسن استغلال التداعيات السلبية المرتبطة بجفاف بحيرة تشاد، واستثمر فى الفراغ الأمنى الناتج عن تراجع سلطة الدول، ووظف انعدام الأمن، والافتقار إلى الفرص الاقتصادية.

فقد قدم التنظيم نفسه فى البداية كمدافع عن الشريعة الإسلامية، حيث اجتذب الفقراء والعاطلين عن العمل، وقدم وجبات غذائية، وسهل قروض الأنشطة التجارية الصغيرة؛ بهدف استغلال الاحتياجات المالية للأفراد فى محاوله منه لملء الفراغ الناتج عن تراجع سلطة الدولة من ناحية، وتجنيد تابعيه عبر تقديم تسهيلات وحوافز اقتصادية من ناحية أخرى.

وفى مرحلة لاحقة بعد تغلغله داخل المجتمعات المحلية، تغيرت استراتيجيات عمله، حيث عمد إلى استخدام العنف والإكراه، وعمليات الاختطاف. وبالتالى يمكن القول إن الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن انكماش بحيرة تشاد لعبت دورًا مهمًا فى تأجيج عنف التنظيم الذى يعد أحد أكثر التنظيمات الإرهابية دموية فى العالم وأفريقيا.
• • •

فى ضوء ما تقدم، هناك جُملة من الملاحظات الأساسية، والتى يمكن استعراضها على النحو التالى:
الملاحظة الأولى: تُشير إلى السردية التى تتبناها التنظيمات الإرهابية حول الكوارث الطبيعية، فنجد أنها اتفقت جميعها على كون الكوارث الطبيعية لا سيما الزلازل والأوبئة غضبا إلهيا، لمعاقبة الذين يخالفون تعاليمه، حيث استهدفت من هذا الطرح ترهيب المجتمعات من أجل إضفاء الشرعية على ممارساتها من ناحية، واجتذاب مزيد من العناصر للانضمام إلى صفوفها من ناحية أخرى.

الملاحظة الثانية: تنصرف إلى تغيير العقل الإرهابى، فعلى الرغم مما يتميز به عقل التنظيمات الإرهابية من رشادة، ما يدفعها إلى تجنب العمليات الإرهابية فى ظل الكوارث الطبيعية، حتى لا تخسر التعاطف معها، غير أن بعضها فى الوقت الحالى لم يتميز بتلك العقلانية فى التفكير، ولا سيما تنظيم «داعش»، إذ شرع فى تصعيد نشاطه إبان الزلزال والجائحة. وفى محاولة لتفسير ذلك السلوك يمكن القول إنه يسعى دائمًا إلى البروباجندا الدعائية، إذ يمارس أقصى درجات العنف والتوحش من أجل تعزيز صورته الجهادية.

الملاحظة الثالثة: تتركز على سعى التنظيمات الإرهابية إلى تقديم نفسها كبديل للدول فى أوقات الكوارث الطبيعية، إذ تسهم الكوارث الطبيعية فى هشاشة الدول وتراجع سلطاتها، نتيجة لزيادة التحديات وتفاقمها، ما يدفع الأولى إلى محاولة ملء الفراغ الناجم عن الانهيار الأمنى، وذلك عبر توفير الخدمات الأساسية لاكتساب الشرعية والثقة بين السكان.

مجمل القول، انعكست الكوارث الطبيعية التى شهدها المجتمع الدولى فى الآونة الأخيرة على نشاط التنظيمات الإرهابية، حيث تباين تعاطى الأخيرة لها طبقا لجملة من المحددات؛ يتعلق أولها بأهدافها المرحلية، وينصرف ثانيها إلى طبيعية السياق المحلى الذى تتواجد فيه، ويتصل ثالثها بقوة أو ضعف الدول التى تستهدفها، ويدور رابعها حول الإجراءات والتحولات المرتبطة بالأولى. لكن هذا الطرح لا ينفى سعيها إلى توظيف الكوارث الطبيعية طبقًا لرؤيتها الذاتية لدورها وسياقها فى المرحلة الراهنة، بما يعكس مرونتها وقدرتها على التكيف من ناحية، ويؤكد على ضروه توسيع مفهوم الأمن بما يتسق مع هذه التحديات من ناحية أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved