حلم بين ضلوع رلى

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أبريل 2011 - 9:34 ص بتوقيت القاهرة

 لست وحدك يا رلى.. فهناك بين الظلمة والظلمة شق من نور يندس رغما عنهم جميعا.. كلما فكرت كيف انك وبين مكالمة وأخرى اختفيت فى مجاهيل العتمة سقطت دمعتى ربما لأننى أعرف كم كنت تعشقين النور منذ ان كنت طفلة صغيرة قبل ان ترحلى إلى المدن البعيدة تجمعين الحرف مع الحرف وتنقشين شهادة وخبرة طالما حلم بها الكثيرون.

لست وحدك يا رلى.. فمن كل الميادين الخارجة من رحم سنين الظلم اتت نساء كثيرات مريم وزينب وخديجة وفاطمة ودلال.. انهن كثيرات بعضهن كما انت يا رلى حملن الحلم بين اضلعهن كما تحضن الأم الجنين تسعة أشهر وربما أكثر.. كلهن سرن خلف الضوء القادم متيقنات بأن القادم سيحمل لهن أجمل الأيام التى لم تأت بعد كما قال ناظم حكمت منذ سنين طويلة.. كلهن مثلك عرفن ان للمرأة كما للرجل مكانا تحت الشمس المتجددة بفعل الثورة.

لست وحدك يا رلى.. فأيامنا لا تبدأ إلا بك ولا تعلن خواتمها إلا ونحن نبحث بين الرسائل المختصرة القادمة عن شىء يعيد بعض الطمأنينة والراحة عنك وعن الأخريات القادمات من ذاك الماضى البعيد.. عن المحبات للحرية حد التضحية بها الآن فى هذه اللحظة حتى تستمتع بها نساء أخريات قادمات من مدن الصمت والسواد.

هى رلى الصغيرة التى عادت من تلك البلاد البعيدة حاملة شنطة مليئة بالهدايا للوطن.. لكل الوطن.. هنا كتاب ومعه مرجع قد يكون ذا فائدة لأهلى.. لأهلها.. لأهلنا.. لم يكن معها سوى بعض من حلم وكثير من أمل وهى تقدم جواز سفرها ليختمه الموظف العامل بذاك المطار.

هى التى أرادت ان تعيد للصحة عافيتها وراحت تسقى من علمها قطرة قطرة لكل القابعات فى مدن اللون الواحد والجنس الواحد والرأى الواحد.. مدن لا تتسع إلا لواحد ينسخ فى اشكال مختلفة بعضها مؤنث أيضا فليس كل الإناث مثل رلى حاملة القلب بمساحة وطن.

لم ترتكب رلى وأخواتها جرما إلا الالتصاق بمهنتها وواجبها ليس فقط تجاه عملها الإنسانى بل وأيضا تجاه ذاك الذى تعلمت انه وطن.. ذاك الذى عندما رحلت عنه منذ سنين فاستقرت عند جنوب ذاك البلد الواسع عرفت كم جنوبهم وجنوبنا مختلفين.. قيل لها لا تعودى ابق بعيدا فأنت هنا ما انت سوى كما فى ذاك اليوم الأول لك بعملك «حرمه» استغربتِ اللفظ والمعنى وطلبتِ تفسيرا لها.. لقد سمعت منذ طفولتك وابيك يقول عن امك «امرأة من زمن آخر» فكيف لهم يعرفونك بلا أكثر ولا اقل من «حرمه»! حينها اردت الوقوف عند اللفظة والمعنى لولا تدخل احداهن لتوفر عنك عناء العذاب فى الخطوة الأولى نحو الوطن.. سددت اذنيك بعدها عن الكثير مما قيل ويقال وتخففت من الكثير من حملك الذى عدت به واحتفظت بالعلم والحلم معا، وضعت الاثنين فى منديل بلون قوس القزح وخبأته فى مكان قريب منك بعيدا عن اعينهم وتلصصهم.

فى المكالمة قبل الأخيرة أو ربما كانت هى الأخيرة قلت: لقد تخلصت من كل شىء، حتى صورى وقناعاتى وآرائى اغتسلت منها حتى لا اضبط متلبسة بفعل حب الوطن.. قررت مسح الكثير من على موقع الفيس بوك الخاص بى، اصبح كما الألبوم العائلى صور لى ولأختى البعيدة القريبة، هى التى رحلت إلى جنوب الجنوب أيضا وربما لحكمة منها أو قدر لم تعد إلى مدن اللون الواحد.. اما أخى فهو ايضا يحبنى قريبة, هو جالس يطارد الأخبار القادمة كما نحن.. ويعيد رسم الصورة الاخيرة وشريط الذكريات يتساءل كما نحن «ما الذى فعلته رلى.. اختى توأمى؟»

منذ ان رن هاتفها ذات يوم بعد مكالمتنا التى اتسمت بكثير من الحزن تحدثنا انا ورلى عن احلام بحجم وطن كبير يمتد عبر البحار ويعود ليستقر فى هذا المكان الصغير الذى كان يوم يحتضننا جميعا.. يحنو علينا بدفء شمسه ويحمينا ببحره الذى لم يعد سوى ذكرى من الماضى.. بعد المكالمة رحلت إليهم برجلها هكذا هن نساء وطنى الكبير كما النخلة صلابة واعتزازا. رلى لم تأبه بما سيكون ربما لأنها فتحت ذاك المنديل الصغير وبعد ان تأكدت من بقاء الحلم به عادت لتربطه كما كانت تفعل امها وتأخذ نفسا عميقا وترحل فى متاهات سوادهم وضوئه.. لست وحدك يا رلى فهن جميعا حولك، من كل بقاع الأرض الممتدة الصارخة بأناشيد واهازيج الوطن القادم.. ونحن ايضا معك بدمعنا وقلوبنا وكثير من دعواتنا وصلواتنا.. لست وحدك فقد ارسلتنا الملائكة تسدل ستارا لتحميك من ظلمهم وضيمهم ونبقى نحن من هنا نكرر فى صباحاتنا وليلنا البدرى «لست وحدك يا رلى». ابق بخير..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved