بعت حياتى

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 19 أبريل 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

هناك مرحلة تائهة فى السينما المصرية تعود فى الغالب إلى الفترة التى هاجر فيها السينمائيون المصريون إلى سوريا ولبنان، فصنعوا سينما بديلة، وامتد النشاط بالنسبة للبعض إلى تركيا، حيث استعان منتجو السينما التركية ببعض النجوم المصريين لضمان توزيع الفيلم التركى، وكان فريد شوقى هو أشهر، وأكثر من عملوا فى بطولات الأفلام ومنها: «شيطان البسفورى، و«عثمان الجبار، وحوالى خمسة عشر فيلما. وقد فكر فريد شوقى فى تحقيق مكاسب، فقام بدبلجة الأفلام إلى اللهجة المصرية العامية، وعمل على تسويقها فى مصر والدول العربية، ولم يكن غريبا ان يستعين بالكاتب عبدالحى أديب، لكتابة أفلامه، وقد اكتشفت مؤخرا، انه اقتبس قصص هذه الأفلام من أفلام مصرية قديمة، دون أن يراجعه أحد، منها على سبيل المثال فيلم «بعت حياتى» واسمه بالتركى «أخطاء الآباء» المأخوذ عن فيلم «الطريق المستقيم» بطولة واخراج يوسف وهبى، عام 1941.

والغريب ان هذه الأفلام لم تلقَ أى نجاح فى مصر رغم الدعاية التى رافقت عرضها فى دور السينما الفخمة، ومنها سينما أمير فى الاسكندرية، وقد ساعدت الظروف على اختفاء هذه الأفلام لولا أننا وجدناها على اليوتيوب، بما يعنى اعادتها إلى الحياة، صرنا لا نقدم الأفلام هنا فقط تبعا لأهميتها ولكن فى بعض الأحيان تبعا لأهمية الظاهرة التى تمثلها، فالكاتب عبدالحى أديب لم يكن يذكر مصادر أفلامه المصرية، الا قليلا، وعندما تعاون مع السينما اللبنانية فعل الشىء نفسه وتكرر الأمر مجددا فى الانتاج التركى، بما يعنى دوما أننا كباحثين فى الشأن السينمائى المصرى مازلنا لم نكشف بعد الكثير من المناطق المجهولة فى السينما، ومنها الانتاج المشترك، فقد ذهب إلى تركيا ايضا المخرج سيف الدين شوكت، وكمال الشناوى، ولابد أن نحدد هل وجود فريد شوقى شريكا فى توزيع أفلامه التركية لشركته ومركزها القاهرة يعنى اننا امام مجموعة افلام مصرية لمجرد هذا السبب؟
الجواب يحتاج إلى إجابة غير فردية.

مثلما حدث فى «الطريق المستقيم» فإن فيلم «بعت حياتى» للمخرج التركى يروى عن موظف كبير بأحد البنوك، متزوج من امرأة جميلة يحبها ويتعرف على امرأة لعوب تدخل حياته، وتبدأ فى ابتزازه دون أن يدرى، فيرتكب جريمة قتل دون أن يدرى. ويهرب معها تاركا وظيفته واسرته، ويغوص معها فى الوحل، وتنحدر أحواله فيرتكب الجرائم المتوالية، ويعيش اولاده ظنا أن أباهم قد غادر الحياة.

الفيلم من اخراج محمد أصلان والممثلون أغلب اسمائهم على الأفيش لهم اسماء عربية مثل ليلى منصور وكاميليا وسناء شاهين وجمال حمدى وعادل شوكت، وكما نلاحظ فى النسخة العربية فإن كل الاسماء فى كل المجالات الفنية، خاصة التمثيل لها منطوق مصرى بما يؤكد أنها اسماء مستعارة باعتبار أن الاسامى التركية غالبة ما تكون غريبة على المنطوق العربى، ولحسن الحظ فان النسخة التركية للفيلم متوفرة لعمل المقارنة، وعرفنا ان عنوان الفيلم التركى هو أخطاء الآباء، وأن اسماء الابطال فى لغاتهم هم اسونا كسكينا، والغريب أيضا أن اسماء الأبطال فى الفيلم مصرية بعضها مشابه للفيلم القديم، ومثلما كان يوسف وهبى فى الفيلم القديم اسمه يوسف فإن فريد شوقى هنا اسمه فريد، أما زوجته فى الفيلم فاسمها أمينة، وهو اسم أمينة رزق أيضا فى الفيلم القديم، وقد تغير فقط اسم المطربة الذى جسدته فاطمة رشدى من ثريا إلى كاميليا، وهو ايضا اسم لممثلة حرص الفيلم أن تظل محتفظة بجمالها وشبابها رغم السنين ورغم ان علامات الزمن طالت الجميع، فصار على الابن الشاب أن يقع فى غرامها مثلما سبق لأبيه أن فعل، لكن الغريب هنا هو أن الدبلجة العربية لم تستطع تجاهل الغناء التركى الموجود فى الفيلم، وهو يتسم بغرابة على الأذن المصرية.

كما أشرنا فالحكاية حول مدير البنك الذى تحتال عليه عصابة نصب، وتدفع فى طريقه بمطربة جميلة كى تقنعه بسرقة أموال كثيرة من البنك، وتهرب العصابة، ويقبض على المدير ويسجن خمسة عشر عاما وهو الذى تصور الجميع انه مات، بطلا، ليخرج من السجن، ويكتشف أن عشقيته تدبر لسرقة مبالغ مجددة من البنك عن طريق الابن، وهى الاضافة التى قررها «بعت حياتى»، وغير موجودة فى فيلم يوسف وهبى، فالولدان هنا لا يعرفان بحقيقة الأب، الآن الابن صار مديرا للبنك مثلما كان أبوه، والثانى هو ضابط الشرطة الذى يحقق معه، ولا شك أن الموضوع يحتاج أن نرى افلاما أخرى لا يعرفها أحد ونبحث عن ما وراءها فى تاريخ السينما المصرية التركية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved