ابحث عن شريك

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أبريل 2022 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

صديقى ومعلمى..
صباح الخير، لم أنتظر انتصاف النهار. بل وفكرت أن اتصل بك قرب الفجر. ما زلت تعرفنى ربما أكثر مما أعرف نفسى. تعرف عنى أنى لا أنام نوما هادئا ورأسى معبأ بحكايات أيا كان نوعها ولونها. نصحتنى ذات فجر أن استدعى كراستى وأكتب بعض ما يملأ هذا الرأس، أنقله إلى الورق فيتفرغ الرأس للنوم. تطلب منى أن أكتب. جربت واكتشفت حتى تأكدت من أن الكتابة ليست طيعة كالحديث المباشر. أظن أننى بعد تجارب متعددة صرت أعرف أن استنطاقى هو السبيل الوحيد لتفريغ ما اختزن الرأس. الورق والقلم كانا وللحق كريمين معى إلى أقصى حد، ولكنهما فشلا فى أن يروضا دماغا عنيدا. أخفقا فى أن يجلبا النوم إلى امرأة هى فى الأصل دائمة القلق، فما بالك وقد تركت أذنيها تلتقطان كل ما عرض عليهما التقاطه من دردشات تحكى بصوت عال، أو من تسريبات تهمس، عن مسائل تشغل العقول أو القلوب.
نعم. لم أعمل بنصيحة بعض من يدعون الحكمة، أو هم فعلا من الحكماء. نصحونى أن أمنع أُذُنَىَّ عن التقاط الحكايات التى تحكى فى وجودى. لهؤلاء قلت إن نصيحتهم قد تنفع بعض كبار السن من الذين ساهمت الطبيعة فى خفض قدراتهم السمعية. لم يعد السمع عندهم حاسة مرهفة. ولكنها نصيحة لا تفيد مع من كان مثلى سمعه حادٌ وبصره نافذٌ. أنت تعرف عنى أنه لا تفوت سمعى همسة من فم ولا تفوت بصرى لمسة من يد أو غمزة من عين. كنت أفخر بهاتين القدرتين مع قدرات أخرى تعرف أكثرها وبعضها كنت تشجعنى على تنميته بل وإبرازه. تذكر كم ترددت فى الأخذ بهذا التشجيع بسبب عقدة الخجل التى لازمت مرحلة هامة من مراحل نموى العاطفى والجسدى، والعقلى أيضا. هذه العقدة تخففت شيئا ما وما بقى منها عصيا على الحل ما زال يمارس رذيلته الكبرى، ما زال يطرد الفرص ويمنعها من اختراق حدود دوائرى. أفقد كعادتى كل فرصة تلوح من على البعد، أفقدها قبل أن تصل ولا ألوم إلا نفسى. ألم أقل لك خلال دردشة جرت بيننا أننى أحيانا أخجل من كم الحكايات والمعلومات التى صارت تختزن فى ذاكرتى. أخجل وكأن عيناى تكشفان عن حجم ما التقطه البصر والسمع. عشت أخاف أن يقرأ الناس على وجهى ولو القليل من كثير جدا أعرفه عنهم. أعرفه مما أسمعه منهم وأراه وما أعرفه من آخرين تهامسوا به، وكذلك ما عرفته نتيجة إعادة تدوير كل هذه المعلومات داخل الآلة الهائلة المقيمة فى رأسى لتخرج منها حكايات وروايات جديدة يتدخل فى صنعها خيال لا يهدأ ولا يقنع.
• • •
بالأمس كنت مدعوة على سهرة ضمن مجموعة من الصديقات والأصدقاء أغلبهم أزواج، أقصد رجلا وزوجته أو خطيبا وخطيبته أو امرأة وصديقها. كانت فرصة نادرة لاختبر مرة أخرى فراستى فى الرجال وفى النساء أيضا. كانت أيضا فرصة لتجديد معلوماتى عن التغير إن وجد فى السلوك الاجتماعى للأفراد من طبقة معينة. قضيت معظم ساعات الضيافة متنقلة من مائدة إلى أخرى، أفادنى التنقل فى طرد الملل وزيادة الفرص المتاحة للتعرف على أشخاص جدد أو لتجديد معرفة قديمة.
جئت إلى الحفل بدون رجل. أرسلوا لى مع بطاقة باسمى بطاقة دعوة لرجل يأتى معى. سمحوا لى أن أكتب بقلمى اسم الرجل إن عثرت على واحد. فهمت من حديث مع المضيفة على الهاتف قبل أسبوع أنهم حريصون على أن أحضر وبصحبتى رجل لزوم الشياكة. تساءلت يومها ساخرة «منذ متى كان الرجل ضرورة مظهر ولياقة؟». ضحكت صديقتى وقالت «لا أخفى عنك أن المائدة جرى ترتيب الجلوس عليها على أساس أن العدد الكلى لا بد أن يكون زوجيا. تخيلى منظر المائدة وعند أحد طرفيها أو فى وسطها مقعد شاغر. بالله عليك ماذا أقول للضيوف. غدا ستنحدر إلى الحضيض سيرتى كمضيفة. غدا وفى الأيام التالية سوف أكون الموضوع الرئيس فى أحاديث المدينة».
• • •
صديقى العزيز..
معنى كلامها أننى كان يجب أن أبحث عن شريك من بين الرجال لوظيفة بعينها هى أن يصحبنى فى بعض خروجاتى وليس فى كلها. أظن أنه لا مانع لدى الناس، وبخاصة المضيفون المتزمتون فى أصول الضيافة، أن يكون لى فى كل مناسبة شريك يرافقنى حتى لا يختل التوازن الجندرى بين المدعوين.
فى ذهن المضيفة أيضا ولا شك وظيفة أخرى لمرافقى أو صاحبى وهى دوره فى التخفيف من تركيز الرجال ومنهم زوج المضيفة على شخصى الضعيف، فالمرأة المنفردة قد تصبح مصدر إزعاج وسبب لقلق المضيفة والمدعوات.
شعرت خلال الحفل بأهمية هذه الوظيفة وهى فى الدافع وظيفة بوجهين، فمن ناحية فإن وجود شريك أو صاحب يرافقنى يحمينى أنا نفسى من تركيز اهتمام بعض أو كل المدعوين من الرجال. بحكم العادة وإصرارى على الذهاب إلى المناسبات منفردة صرت خبيرة فى الإنصات إلى همسات الرجال أو التنصت عليها. يهمسون فى أذن المرأة المنفردة وهى عند البوفيه تجدد الطعام فى صحنها، صرت أيضا خبيرة فى النظرات الخاطفة من الرجال حتى وإن بذلوا الجهد لتكون غمزاتهم مصحوبة بدقة كافية فلا تنكشف أو تتسبب فى مشكلة لزوج مع زوجته عند عودتهما إلى منزلهما. وصرت خبيرة فى قراءة الشفاه التى تبعث برسائلها الصامتة بعد أن عجزت عن أن ترسلها بالهمس.
نعم، وصحيح أننى اتسلى فى غياب الشريك ولكنى أيضا خطر داهم فى نظر بعض النساء. كل زوجة أو عشيقة أو شريكة مؤقتة لديها شك وأسئلة حول نوايا المرأة المنفردة. لماذا هى منفردة؟ لماذا لا يصحبها رجل؟ هى فوق كل هذا تتحرك فى المكان بحرية ثم أنها فى الحقيقة خفيفة الظل، رقيقة الحس، سعيدة أكثر من اللزوم بانفرادها.
• • •
نعم يا معلمى لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه، اعتقد أن لانفراديتى نهاية قريبة، إما أن يتجاوز عدد السيدات بدون شريك السيدات بشريك، وإما أن يمتنع مجتمع الحفلات عن دعوة نساء منفردات.
يتعين فى كل الأحوال أن أجد شريكا وأن يتوفر عندى مخزون كاف من الرجال أسحب منهم كل مرة من يناسب المناسبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved