نقطة ضوء فى الكويت

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مايو 2009 - 10:23 م بتوقيت القاهرة

لاحظت أن اهتمام الصحافة العربية بنتائج الانتخابات البرلمانية فى الكويت أكبر بكثير من اهتمامها بالانتخابات الرئاسية التى حدثت فى الجزائر. ولم أجد ذلك أمرا مستغربا لأن ما جرى فى الكويت كان انتخابات حقيقية حفلت بمفاجآت لم تكن فى الحسبان، وبالتالى فإن شىئا من نتائجها لم يكن معلوما مسبقا، حتى الذين كانوا واثقين من الفوز ظلوا فى انتظار الفرز ولم تطمئن قلوبهم إلا بعد إعلان النتائج.

أما انتخابات الرئاسة الجزائرية فقد كانت النتيجة معلومة للجميع. وكان الجميع يعلمون أن الدستور تم تعديله خصيصا وإعادة «تفصيل» المادة الخاصة بولاية الرئيس، لكى يمكن من الاستمرار فى موقعه، سواء لأنه رغب فى ذلك أو أن الجيش المهيمن على المقدرات السياسية وجد أن ذلك هو الوضع الأنسب له.

وحتى نكون منصفين فلا مفر من الاعتراف بأن ما حدث فى الجزائر ليس فريدا فى بابه، ولكنه نموذج شائع فى أغلب الجمهوريات العربية إن لم يكن جميعها. وقد خطر لى أن استثنى لبنان، التى لا تخضع فيها الانتخابات لتلاعب أو تزوير، لكنى وجدت أن منصب الرئاسة هناك لا يخضع للانتخابات وإنما تتم بالتوافق بين رموز الطائفة المارونية.

لذلك فلعلى لا أبالغ إذا قلت إنه لم تعد هناك جمهوريات حقيقية فى العالم العربى، ولكن لدينا أنظمة إما ملكية أو جملوكية إذا صح التعبير. والأخيرة هى التى تكون الراية فيها جمهورية فى حين تكون الممارسات أقرب إلى الملكية، من حيث الاستمرار وولاية العهد وغير ذلك.

لم تكن هذه هى الملاحظة الوحيدة، لأننى وجدت أن سبب الحفاوة الشديدة بالانتخابات البرلمانية الكويتية راجع إلى ندرة الحالة التى تتم فيها الانتخابات دون تدخل أو تزوير فى العالم العربى. إذ باستثناء الانتخابات النيابية اللبنانية وربما البحرينية بدرجة أو أخرى، فإننا لا نكاد نجد انتخابات مماثلة تتم فى أى بلد آخر دون أن تخضع للتلاعب من جانب الأجهزة الأمنية الحكومية.

ورغم أن الحالة الديمقراطية نسبية فى الكويت. فإن ذلك لم يؤثر على درجة الحفاوة بها والحماس لها. أقول نسبية لأن الديمقراطية هناك تمارس فى حدود حق التمثيل والمشاركة المحدودة فى إصدار التشريعات والرقابة على الأجهزة الحكومية.

أما المشاركة فى السلطة فهى نسبية، لأن رئاسة الحكومة والوزارات المهمة أو التى تسمى سيادية محجوزة للأسرة الحاكمة.

وهو ما ينطبق أيضا على حق المساءلة، الذى لايزال محل أخذ ورد ولم يعترف به بعد فى مواجهة رئيس الحكومة باعتباره أحد أركان الأسرة الحاكمة. وبطبيعة الحال فإن حق تداول السلطة ليس واردا بحكم الدستور الذى حصر الحكم فى أسرة آل الصباح.

نحن إذن بإزاء ديمقراطية منقوصة، ومع ذلك احتفى بها العالم العربى إلى حد كبير.
الأمر الذى يعنى أن سقف التطلعات الديمقراطية فى بلادنا هبط كثيرا. بحيث إننا لم نعد نطمح فى أكثر من ديمقراطية نسبية تسمح للجماهير بأن تنتخب ممثليها فى المجلس التشريعى بحرية، حتى إذا كان دور المجلس محدودا ومتواضعا.

بالتالى فنحن لم نعد نقارن أنفسنا بالأفضل، أعنى بانتخابات نيابية ورئاسية حرة، وإنما أصبحنا فى بعض أقطارنا نتطلع إلى انتخابات حرة لاتحاد طلاب المدارس الثانوية والجامعات، ونحلم بأن نشهد يوما ما انتخابات نيابية حرة، ولكن يبدو أن هذا الأمل لايزال بعيد المنال. وحين يصبح الواقع معتما إلى هذا الحد، فإن تحقيق ذلك الأمل فى بلد مثل الكويت يغدو ضوءا مثيرا للإعجاب وإنجازا كبيرا يستحق الحفاوة والتهليل.

لقد كانت انتخابات الكويت خطوة إلى الأمام حتى على المستوى المحلى، وهو ما تجلى فى احتلال النساء لأربعة مقاعد لأول مرة فى تاريخ التجربة النيابية هناك. ولست أشك أن استمرار التجربة وأجواء الحرية المتاحة فيها يمكن أن تذوب بعض الحساسيات القبلية والطائفية بمضى الوقت، لأننا تعلمنا من تجارب عديدة أن عيوب الممارسات الديمقراطية يمكن أن تعالج بشكل تدريجى من خلال توسيع المشترك بين الجميع وإضافة المزيد من الديمقراطية. 
 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved