قلق على الجسور

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 19 مايو 2014 - 7:53 ص بتوقيت القاهرة

على الجسور بين نظام ونظام آخر بعد مرحلتين انتقاليتين تتبدى احتمالات الصدام بين رهانات المستقبل وأشباح الماضى.

وهو صدام ينسف الجسور قبل الوصول إلى بر آمن فالعودة إلى الماضى الذى ثار عليه شعبه مشروع اضطراب جديد.

فى الإقبال النسبى للمصريين بالخارج على صناديق الاقتراع شىء من الأمل على تجاوز عوائق الجسور دون عودة إلى عصور همشت إرادتهم وسحقت حقوقهم فى الحياة الآدمية.

من الصحيح أن المصريين الذين أدلوا بأصواتهم طلبوا قبل أى شىء آخر أن يروا وطنا مستقرا وآمنا يعودون إليه عند انتهاء دواعى غربتهم لكن ليس أى وطن ولا أى استقرار.

النزعة ذاتها من المرجح أن تدفع قطاعات أوسع بالداخل للمشاركة فى الاستحقاق الانتخابى بأمل أن تستقر أحوالها ويتحرك الاقتصاد مع رئيس جديد دون أن يعودوا إلى ما ثاروا عليه مرتين.

طلب عودة الدولة يفوق ما عداه غير أنه قد يصطدم بأسرع مما يتوقع أحد بطلب التغيير.

فى السباق الانتخابى شىء من التنازع بين الطلبين.. الأول اختيار غالب والثانى أزماته ماثلة.

إحدى المعضلات الكبرى التى تعترض الرئيس القادم أن يمضى فى الطلبين معا، إذ يصعب أن تعود الدولة إلى عافيتها دون أن تكون حديثه وعادلة.

أسوأ السيناريوهات أن يتصور القادم الجديد أن الشعب المصرى لم يتغير بعد ثورتين أطاحتا برئيسين على التوالى وأن طلب الدولة يخوله التخلى عن طلب الحرية والعدل.

هناك قلق على الجسور وأسئلته ضاغطة بغض النظر عن نتائج الاقتراع الرئاسى.

فى البداية افتقدت الانتخابات زخمها وإلهامها وبدت نتائجها محسومة.

لم تكن لأى من المرشحين «عبدالفتاح السيسى» و«حمدين صباحى» حملة انتخابية بالمعنى المتعارف عليه فى أية انتخابات مماثلة.

أولهما اعتمد بصورة شبه كاملة على شعبيته التى اكتسبها فى (٣) يوليو بحسم سؤال السلطة ومنع احتراب أهلى مؤكد.. والآخر اعتمد بصورة مماثلة على قدراته فى عرض أفكاره ومواهبه على الإقناع التى اكتسبها من خبرته السياسية الطويلة لاختراق حملة منافسه من ثغراتها المفتوحة.

بدا السباق فى بداياته بين رجلين وخطابين لا رؤيتين وبرنامجين.

نقاط الاتفاق تصدرت المشهد الانتخابى قبل أن تتباين الرؤى فى مفاصل عديدة والتباينات هى التى تكسب المعارك الانتخابية حيويتها وجديتها وشرعيتها.

مع غياب البرامج فى النقاش العام والقواعد المستقرة فى الاستحقاقات الديمقراطية فإن القلق ملأ الفضاء السياسى وتنازعه رهانان متباينان أحدهما على رجل من داخل الدولة ومؤسساتها والآخر من خارجها. لكل رهان أسبابه ومخاوفه، فالأول يطلب أمنا ويخشى انفلاتا فى بنية المجتمع والثانى يطلب عدلا ويرفض تغولا على حقوق المواطنين.

فى أى بلد تستقر فيه القواعد الديمقراطية فإن مثل هذا القلق لا وجود له على الخرائط السياسية غير أنه من حقائق الحركة على الجسور بين نظامين.

تصدرت دواعى القلق خيارات السياسة بأكثر مما هو طبيعى وتراجعت فى الوقت نفسه أدوار البرنامج السياسى فى تحديد اتجاهات التصويت.

بحسب معلومات مؤكدة فإن «السيسى» أقلقه أن يعلن برنامجا انتخابيا متخما بالتفاصيل وبعضها يحتاج إلى تدقيق، فكل كلمة يعلنها ملزمة فى حالة فوزه المرجح بانتخابات الرئاسة، كما أن برنامجه ينطوى على التزامات نهائية بمشروعات اقتصادية كبرى دون أن يكون متأكدا من سلامة الرهان عليها وفق دراسات جدوى موثوقة.

بحسب ذات المعلومات فإنه راجع دائرة ضيقة من مقربيه فيما إذا كان من الأفضل إعلان البرنامج الآن أم إخضاعه بعد الانتخابات لمؤتمرات متخصصة قبل أن يحسم أمره بالتأجيل.

بالنسبة لمنافسه الوحيد «صباحى» فإن برنامجه الانتخابى أعلنه متأخرا نسبيا.. ورغم الجهد الكبير الذى بذل فيه فإنه لم يكن صلب حملته ولا موضوع النقاش العام فى تفاصيله.

الأكثر إثارة فى السباق كله شخصية «صباحى». امتلك الشجاعة الكافية لتحدى مرشح آخر تشير التوقعات كلها إلى أنه سوف يحسم الانتخابات الرئاسية.

صدق نفسه قبل أن يصدقه الآخرون وراهن على حدسه السياسى ومر بطريقه أو أخرى بين ثغرات حملة منافسه.

اكتسب أرضية سياسية لم يكن يتوقع أحد أنه سوف يحوزها تخوله زعامة المعارضة فى بعض السيناريوهات.

مالت إلى صالحه جماعات الشباب الغاضب واستوعبت أطروحاته تطلعات الأجيال الجديدة.

النسبة التى قد يحصل عليها فى صناديق الاقتراع تتوقف إلى حد كبير على مدى إقبال الشرائح السنية الشابة، وهذه رسالة لها معناها إلى المرشح الآخر الأكثر حظا، فالصدام مع الأجيال الجديدة خسارة مؤكدة للمستقبل والممانعة فى تعديل قانون التظاهر يوسع الفجوات معها ويعقد مهمة أى رئيس قادم قبل أن تبدأ.

ومالت إليه أيضا قطاعات من الطبقة الوسطى المدينية أقلقتها مزايدات النفاق العام وتواجد وجوه من الماضى فى حملته وانتابتها مخاوف إعادة إنتاج دولته الأمنية التى نكلت بالحريات العامة وعاثت فسادا.

وهذه رسالة أخرى للمستقبل فالطبقة الوسطى المدينية قد لا تكون صاحبة الكلمة الأولى فى أية انتخابات لكنها صاحب الكلمة الأخيرة فى تقرير مصير أى نظام وخسارتها تعنى بالضبط تقويض مستقبل أى رئيس قادم قبل أن يبدأ عمله.

أيا كانت نتائج الاستحقاق الرئاسى فإنه يحسب لـ«صباحى» أن مستويات أدائه رفعت على مشارف نهاية السباق الروح المعنوية لجبهته اعتقادا أن حظوظه قابله للتحسن والمفاجآت غير مستبعدة.. واستدعت قلقا على الجبهة الأخرى، فلا شىء مُسلم به على ما تردد داخلها على نطاق واسع لاستنهاض همة الحركة وهو ما كانت تفتقده بفداحة استهتارا بالخصم الانتخابى.

المنافسة الجدية تفضى بطبيعتها إلى الارتقاء بالخطاب الانتخابى وتصحيح ثغراته على ما تجلى فى تصريحات «السيسى» لوكالة «رويترز» عن التزامه بدولة القانون والحريات العامة بعد تصريحات سبقتها قال فيها إن مصر تحتاج إلى (٢٥) عاما لكى يكون فيها ديمقراطية.. وعلى ما تجلى فى إدانته المعلنة لمواكب المنافقين ونفى أن يكون مستعدا لتدليل رجال الأعمال الذين خاطبهم بحدة فى اجتماع مغلق وفق تسريبات متواترة. غير أن ذلك كله إشارات للمستقبل لا تستجيب بما يكفى لدواعى القلق على الجسور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved